بازگشت

مناظرته مع الخلفاء


لقد روي كتاب سيرة الامام الكاظم عليه السلام بعض الأحاديث فيما كان يجري بينه و بين هارون الرشيد من مناظرات في بعض الأمور التي تمثل بعض الخلافات بين العلويين و العباسيين في القضايا المتصلة بالعلاقة برسول الله، و في القضايا الأخري القريبة من ذلك.

و لدي التدقيق في هذه الأحاديث نجد في داخلها بعض الخلل في مضمونها الذاتي و في ايحاءاتها السلبية فيما يتعلق بالامام الكاظم فيما هي قضية الضعف في شخصيته أمام الرشيد بحيث تتحول المسألة الي حالة الخوف الشديد الضاغط علي الموقف، بما لا يتناسب مع الصلابة التي تتميز بها شخصيته أمامه من خلال، مواقف أخري.

اننا ندعو الي قراءة جديدة لأمثال هذه الأحاديث التي قد لا تحمل صفة الصحة في اسناد الكثير منها، ان لم يكن كلها، و الدخول في تقييم جديد لمضمونها الفكري في طبيعية التقية التي كان يأخذ بها أئمة أهل البيت و هل كانت تصل الي مثل هذا المستوي من الاحباط النفسي الذي قد يسي ء الي الصورة الاسلامية المشرقة التي نقدمها لأجيالنا عنهم، لأننا معنيون بذلك من خلال حركة الخط الاسلامي في مضمون التقية التي قد تتدخل في اسقاط الكثير من المواقف المتحدية للظلم و الظالمين تحت عنوان شرعية التقية، لا سيما اذا كانت المسائل التي تتضمنها مما لا صلة لها بالجانب الثوري الذي قد يخيل للبعض أن لا مجال للتقية فيه لأن المسألة تدخل في النطاق



[ صفحه 52]



الاجتهادي العام في الدائرة الاجتهادية الواسعة التي كان يختلف حولها المسلمون و قد نلاحظ في هذا المجال، أن تاريخنا الشيعي قد يكون معنيا بابراز مسألة ظلامة أهل البيت بالدرجة التي تجعله يهتم بكل رواية يؤكد مضمونها شيئا من ذلك بقطع النظر عن صحتها التوثيقية و عدم صحتها.

اننا نقدم هذه الرواية من روايات الاحتجاج الدائر بين الامام موسي بن جعفر (ع) و بين هارون الرشيد في عرض تقييمي نقدي لنأخذ نموذجا حيا من ذلك كله.

جاء في بحارالأنوار، (نقلا عن كتاب الاختصاص) عن أبي الوليد عن أحمد بن ادريس عن محمد بن اسماعيل العلوي قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني قال: قال أبوالحسن موسي بن جعفر عليه السلام: لما أمر هارون الرشيد بحملي دخلت عليه فسلمت فلم يرد السلام و رأيته مغضبا فرمي الي بطومار فقال: اقرأه فاذا فيه كلام، قد علم الله عزوجل براءتي منه، و فيه أن موسي بن جعفر يجبي اليه خراج الأفاق من غلاة الشيعة ممن يقول بامامته، يدينون الله بذلك، و يزعمون أنه من فرض عليهم الي أن يرث الله الارض و من عليها و يزعمون أنه لم يذهب اليه بالعشر و لم يصل بامامتهم و لم يحج باذنهم و يجاهد بأمرهم و يحمل الغنيمة اليهم، و يفضل الائمة علي جميع الخلق و يفرض طاعتهم مثل طاعة الله و طاعة رسوله فهو كافر حلال ماله و دمه.

و فيه كلام شناعة، مثل المتعة بلا شهود، و استحلال الفروج بأمره و لو بدرهم، و البراءة من السلف و يلعنون عليهم في صلاتهم و يزعمون أن من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه و من آخر الوقت فلا صلاة له لقول الله تبارك و تعالي: «و أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا» [1] .



[ صفحه 53]



يزعمون أنه واد في جهنم و الكتاب طويل و أنا قائم أقرأ و هو ساكت، فرفع رأسه و قال: اكتفيت بما قرأت فكلم بحجتك بما قرأته.

قلت: يا أميرالمؤمنين والذي بعث محمدا بالنبوة ما حمل الي أحد درهما و لا دينارا من طريق الخراج لكنا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عزوجل لنبيه (ص) في قوله: «لو أهدي لي كراع لقبلت، و لو دعيت الي ذراع لأجبت»، و قد علم أميرالمؤمنين ضيق ما نحن فيه، و كثرة عدونا و ما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب فضاق بنا الأمر و حرمت علينا الصدقة و عوضنا الله عزوجل عنها الخمس و اضطررنا الي قبول الهدية و كل ذلك مما علمه أميرالمؤمنين، فلما تم كلامي سكت.

ثلم قلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه عن النبي (ص) فكأنه اغتنمها، فقال: مأذون لك، هاته، فقلت: حدثني أبي عن جدي يرفعه الي النبي (ص) ان الرحم اذا مست رحما تحركت و اضطربت، فان رأيت أن تناولي يدك، فأشار بيده الي. ثم قال: أدن، فدنوت فصافحني و جذبني الي نفسه مليا ثم فارقني و قد دمعت عيناه، فقال لي: اجلس يا موسي، فليس عليك بأس، صدقت و صدق جدك و صدق النبي (ص) لقد تحرك دمي و اضطربت عروقي و أعلم أنك لحمي و دمي و أن الذي حدثتني به صحيح و اني أريد أن أسألك عن مسألة فان أجبتني أعلم أنك صدقتني و خليت عنك و وصلتك، و لم أصدق ما قيل فيك، فقلت: ما كان علمه عندي أجبتك فيه.

فقال: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يابن رسول الله و أنتم ولد علي و فاطمة انما هي وعاء، والد ينسب الي الأب لا الي الأم؟

فقلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة فعل فقال لست أفعل أو أجبت فقلت: فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شي ء؟ فقال: لك الأمان قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم «و وهبنا له اسحاق و يعقوب كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل



[ صفحه 54]



و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين و زكريا و يحيي و عيسي» [2] فمن أبوعيسي؟ فقال: ليس له أب انما خلق من كلام الله عزوجل و روح القدس فقلت: انما ألحق عيسي بذراري الأنبياء من قبل مريم و ألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي (ع) فقال: أحسنت أحسنت يا موسي زدني من ذلك. فقلت: اجتمعت الأمة برها و فاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي (ص) الي المباهلة لم يكن في الكساء الا النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال الله تبارك و تعالي: «فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم» [3] فكان تأويل أبناءنا الحسن و الحسين و نساءنا: فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب فقال: أحسنت.

ثم قال: أخبرني ليس للعلم مع ولد الصلب ميراث، فقلت: أسألك يا أميرالمؤمنين بحق الله و رسوله أن تعفيني من تأويل هذه الآية و كشفها، و هي عند العلماء مستورة فقال: انك ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك و لست أعفيك فقلت: فجدد لي الأمان فقال: قد أمنتك فقلت: ان النبي (ص) لم يورث من قدر علي الهجرة و لم يهاجر، ان عمي العباس قدر علي الهجرة فلم يهاجر و انما كان في عداد الأساري عند النبي (ص) و جحد أن يكون له الفداء، فأنزل الله تبارك و تعالي علي النبي يخبره بدفن له من ذهب فبعث عليا عليه السلام فأخرجه من عند أم الفضل و أخبر العباس بما أخبره به جبرئيل عن الله تبارك و تعالي، فأذن لعلي و أعطاه علامة الذي دفن فيه فقال العباس عند ذلك: يا بن أخي ما فاتني منك أكثر و أشهد أنك رسول رب العالمين.

فلما أحضر. علي الذهب فقال العباس: أفقرتني يا بن أخي فأنزل الله



[ صفحه 55]



تبارك و تعالي: «أن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم و يغفر لكم» [4] و قوله: «و الذين أمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي ء حتي يهاجروا» [5] ثم قال: «و ان استنصروكم في الدين فعليكم النصر» [6] فرأيته قد اغتم.

ثم قال: أخبرني من أين قلتم أن الانسان يدخله الفساد من قبل النساء لحال الخمس الذي لم يدفع الي أهله فقلت: أخبرك يا أميرالمؤمنين بشرط أن لا تكشف هذا الباب لأحد ما دمت حيا، و هذه مسألة لم يسألها أحد من السلاطين غير أميرالمؤمنين قال: و لا تيم و لا عدي و لا بنوا أمية و لا أحد من آبائنا قلت: ما سئلت و لا سئل أبوعبدالله جعفر بن محمد عنها قال: فان بلغني عنك أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به رجعت عما أمنتك فقلت: لك علي ذلك.

فقال: أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له أصول و فروع يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك من أبي عبدالله، فقلت: نعم و علي عيني يا أميرالمؤمنين قال: فاذا فرغت فارفع حوائجك، و قام، و وكل بي من يحفظني و بعث الي في كل يوم بمائدة سرية فكتبت:

بسم الله الرحمن الرحيم أمور الدنيا أمران: أمر لا اختلاف فيه و هو اجماع الأمة علي الضرورة التي يضطرون اليها و الأخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة، و المستنبط منها كل حادثة، و أمر يحتمل الشك و الانكار و سبيل استنصاح أهله الحجة عليه، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله، أو سنة علي النبي لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها، و وجب عليه قبولها، والاقرار و الديانة بها و لم يثبت لمنتحليه به من كتاب مستجمع علي تأويله



[ صفحه 56]



أو سنة علي النبي (ص) لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، وسع خاص الأمة و عامها الشك فيه، و الانكار له، كذلك، هذان الأمران من أمر التوحيد فيما دونه الي أرش الخدش فما دونه، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين، فما ثبت له برهانه اصطفيته و ما غمض عنك ضؤوه نفيته، و لا قوة الا بالله و هو حسبنا و نعم الوكيل.

فأخبرت الموكل أني قد غرغت من حاجته فأخبره فخرج، و عرضت عليه فقال: أحسنت هو كلام موجز جامع فارفع حوائجك يا موسي فقلت: يا أميرالمؤمنين أول حاجتي اليك أن تأذن لي في الانصراف الي أهلي، فأني تركتهم بائسسين آيسين من أن يروني أبدا فقال: مأذون لك. ازدد؟ فقلت يبقي الله أميرالمؤمنين لنا معاشر بني عمه، فقال: ازدد؟ فقلت: علي عيال كثير و أعيننا، بعد الله، ممدودة الي فضل أميرالمؤمنين و عادته فأمر لي بمائة ألف درهم و كسوة و حملني وردني الي أهلي مكرما [7] .

و قد نقلت هذه القضية بروايات أخري قد تختلف في بعض مضمونها زيادة و نقصانا.

اننا نريد أن نتساءل عن هذه اللهجة المرعوبة التي يتحدث بها الامام مع هارون الرشيد قبل اجابته له عن أية مسألة من هذه المسائل التي كانت من القضايا المثارة منذ تسلم بني العباس الخلافة في سجال الصراع بين آل علي و آل العباس و قد تحدث عنها الشعراء في أسلوب عرض الاحتجاج لهذه الدعوة أو تلك... ثم ما معني أن يطلب منه الامام الأمان من أن لا يصيبه من آفة السلطان شي ء، كما لو كان السلطان شخصا آخر غيره، ثم ما معني أن يأخذ الامام العهد من الرشيد أن لا يخبر أحدا عن مسألة الخمس و تأثيره في الفساد من قبل النساء و ممن يخاف الرشيد اذا كان يقتنع بمنطق الجواب، و ما هي المشكلة في أن هذه المسألة لم يسبق لها أن أثيرت من قبل الخلفاء السابقين، حتي أثارها الرشيد.



[ صفحه 57]



ثم طريقة الامام في تقديم حاجاته للرشيد و تواضعه الشديد له، و دعاءه له بالبقاء لابناء عمه... و أخيرا حديثه بأن أعيننا بعد الله، ممدوة الي فضل أميرالمؤمنين و عادته..

اننا لا نجد في هذا منطق أئمة أهل البيت عليهم السلام، و لا نستطيع أن نعتبر التقية مبررا له ما دام الكثير من هذا الكلام لا يخضع لأية ضرورة أمنية في الموقف في الوقت الذي يجعل الرشيد في الموقع الأعلي في نظرته لنفسه باعتبار أنه ولي النعمة للامام و للأمة، و في طريقة تقييمه لشخصية الامام، مما قد يأباه منطق الامام الذي كان يوصي بعض أصحابه أن يقاطعوه حتي لا يحبوا بقاءهم في المدة القصيرة التي ينتظرون فيها خروج عطائهم اليهم، و كان يقف ليتحدي الرشيد في رده عليه، أمام قبر رسول الله (ص) عندما وقف ليخاطب النبي بقوله: السلام عليك يا أبه، في مقابل كلام الرشيد و خطابه للنبي بقوله السلام عليك يا ابن العم.

و اذا كنا نثير علامات الاستفهام الفكرية أمام مثل هذا الحديث فاننا ندعو الي الكف عن التحدث به في الخطاب الديني الذي يوجهه الخطباء و المحدثون الي الناس لأن ذلك سوف يترك انعكاسا سلبيا علي الذهنية العامة التي تتأثر بأمثال هذا المنطق لتعيش صورة الأئمة في نطاق المأساة لا في نطاق الحركة المعارضة في نطاق خط التغيير أو الثورة.. و بذلك قد تفقد الثورة شرعيتها في أذهان الناس اذا كان العلماء يعتبرون الشرعية للبعد عن حركة المواجهة عند أية بادرة للخطر حتي بهذا المستوي البسيط.

و ربما عاش الناس الكثير من أفكار الضعف الروحي من خلال الأحاديث التي لا ترتقي الي مستوي الحقيقة في السند و المتن لأن الذين يقرأونها لا يناقشونها لأنهم لا يريدون تحريك المناقشة في أمور لا تتضمن حكما شرعيا، مما يمكن أن يتسامح فيها بما لا يتسامح في روايات الحكم الشرعي، لا سيما اذا كان الموضوع موضوع اثارة للظلامة، أو تحريك العاطفة في دائرة المأساة، و هذا هو الذي أوجب اتساع دائرة الوضع في الأحاديث كما أشرنا الي ذلك في بداية هذه الدراسة...



[ صفحه 58]



و نحن نرفض هذا المنطق، لأن القضية هي قضية تكوين الذهنية الاسلامية العامة في الجانب الفكري و الروحي و العملي، مما يفرض أن تكون التصورات منطلقة من عمق الحقيقة في المضمون... حتي يكون الفكر اسلاميا من خلال الفكر الاسلامي العميق، و حتي تكون الروح اسلامية في آفاقها و تطلعاتها و حتي يكون الخط العملي خط الاسلام في الوسيلة و الغاية.. فلا تكون القضية قضية أوهام تأخذ صورة الحقائق، أو موضوعات تأخذ شكل الثوابت.

و هذا هو السبيل لاعادة تأصيل المجتمع الاسلامي، و تخفيف المؤثرات المتنوعة التي شاركت في ادخال الكثير من الأمور الهامشية الوافدة علينا من أفكار أخري، أو شعوب أخري، بعيدا عن عمق الحقيقة الاسلامية.



[ صفحه 59]




پاورقي

[1] سورة مريم / الآية: 59.

[2] سورة الأنعام، الاية: 85 - 84.

[3] سورة آل عمران، الآية: 61.

[4] سورة الانفال، الآية: 7.

[5] سورة الانفال، الآية: 79.

[6] سورة الانفال، الآية: 72.

[7] بحارالأنوار ج 48 ص 125 - 121.