بازگشت

الدعاء في حركة التربية الاسلامية


روي الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن عبدالله بن المغيرة عن موسي بن بكر عن أبي ابراهيم (موسي بن جعفر) عليه السلام كان كتبه لي في قرطاس: «اللهم أردد الي جميع خلقك مظالمهم التي قبلي، صغيرها و كبيرها في يسر منك و عافية و ما لم تبلغه قوتي و لم تسعه ذات يدي و لم يقو عليه بدني و يقيني و نفسي فأده عني من جزيل ما عندك من فضلك ثم - لا تخلف علي منه شيئا تقضيه من حسناتي، يا أرحم الراحمين.

أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده



[ صفحه 72]



و رسوله و ان الدين كما شرع و أن الاسلام كما وصف و أن الكتاب كما أنزل و أن القول كما حدث و ان الله هو الحق المبين ذكر الله محمدا و أهل بيته بخير، حيا محمدا و أهل بيته بالسلام [1] .

ان هذا الدعاء يمثل أسلوبا تربويا في عملية التهذيب النفسي في التحرر من كل نقاط الضعف الانساني فيما يمكن أن تقود الي العدوان علي الآخرين انطلاقا من بعض الأوضاع النفسية المعقدة، و ذلك بالابتهال الي الله أن يرزقه القوة الي أن يرد مظالم الناس التي صدرت منه، لأهلها سواء كانت المظالم مالية فيما أخذه من أموالهم، أو غير ذلك فيما تصرف فيه بغير حق في أجسادهم و أعراضهم و ما الي ذلك.. و أن ييسر له ذلك في عافية منه... حتي أذا شعر بالعجز عن ذلك رفع أمره الي الله ليعوض أصحاب المظالم عنها فيرضيهم بما يمنحهم من فضله ليتخفف من ذلك بشكل نهائي، ليبدأ حياة جديدة خالصة من كل ظلم، بعيدة عن كل انحراف.. فان المشكلة في بعض الممارسات الخاطئة التي قد يقوم بها البعض لا سيما فيما يتعلق بحقوق الناس، هي انها قد تتحول الي عقدة مستعصية عميقة الجذور في النفس، بحيث قد تعقد الانسان و تمنعه عن الانفتاح علي الحياة الجديدة الطاهرة الخالية من الأخطاء.

و هكذا نري أن الدعاء قد انتهي بالاعلان الي الله بأنه يؤمن بالله و رسوله و كتابه و رسالته كشاهد علي التزامه بالخط المستقيم في خطه الاسلامي الأصيل، بحيث يمثل الانضباط في كل أقواله و أفعاله و علاقاته بهذا الخط.

و قد نلاحظ أن الدعاء الاسلامي الذي يتمثل فيما روي عن النبي (ص) و الأئمة الهداة من أهل بيته يمثل الأسلوب العملي الايحائي الذي يدفع بالايحاءات الطاهرة الي أعماق النفس ليعيش الانسان المفاهيم الصحيحة و الانفعالات الطاهرة، من موقع احساسه بها من الداخل في مجال اعترافه بها



[ صفحه 73]



أمام الله و استعانته به علي أن ينقذه من كل نتائجها السلبية، ليكون بذلك أقدر علي معالجتها مما لو جاءت اليه كنصيحة من الخارج.

و اذا كان هذا النموذج من الدعاء يمثل أسلوبا تربويا في التهذيب النفسي فان هناك نموذجا آخر يمثل أسلوبا روحيا في تعميق العلاقة بالاخوان المؤمنين من خلال الايحاء الداخلي الشعوري و هو الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب فقد جاء في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه قال: رأيت عبدالله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادا يديه الي السماء و دموعه تسيل علي خده حتي تبلغ الأرض فلما انصرف الناس قلت له: يا أبامحمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك قال: والله ما دعوت الا لاخواني و ذلك أن أباالحسن موسي بن جعفر (ع) أخبرني أنه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ها! و لك مائة ألف ضعف مثله فكرهت أن ادع مائة ألف ضعف مضمونة لواحد لا أدري هل يستجاب أولا [2] .

ان هذا الانفتاح علي الأخوة المؤمنين في ظهر الغيب فيما يعانونه من مشاكل و آلام أو يتطلعون اليه من رغبات و أحلام، توحي للانسان المؤمن بالعلاقة الحميمة التي تشده الي اخوانه بحيث يعيش الهم الكبير في شؤونهم الحياتية كما لو كان الهم همه في شؤونه الخاصة، مما يعمق في داخله الاحساس بالمحبة و المودة فيما يتمثل ذلك بالمعاناة الروحية في السلوك الدعائي.. فاذا تحول هذا الأسلوب العملي الروحي الي نهج عام في حياة المؤمنين، و تفاعلت آثاره الايجابية في مشاعرهم.. كان ذلك بمثابة ميثاق ايماني روحي غير مكتوب يعيش فيه كل مؤمن الالتزام العبادي فيما يمثله الدعاء من أسلوب العبادة بأنه سيعيش هموم أخيه بين يدي الله ليتحول بعد ذلك الي هم عملي في حياته عندما يؤكد حركة الشعور الي حركة مساعدة في الحياة فيما يقدمه لأخيه من جهد كبير.



[ صفحه 74]



و اذا كان الحديث يؤكد الثواب الكبير غير العادي الذي يحصل عليه الداعي لاخوانه بظهر الغيب فانه يدل علي القيمة العظيمة التي جعلها الاسلام لهذا السلوك العبادي في المنهاج العام للدعاء في حياة المؤمن.


پاورقي

[1] الكافي ج 3 ص 555.

[2] الكافي ج 2 ص 508.