بازگشت

لمحة من أسلوبه الأخلاقي


جاء في الارشاد للمفيد أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب بالمدينة يؤذي أباالحسن موسي عليه السلام و يسبه اذا رآه و يشتم عليا فقال له بعض حاشيته يوما: دعنا نقتل هذا فنهاهم عن ذلك أشد النهي و زجرهم و سأل عن العمري فذكر أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة فركب اليه فوجده في مزرعة له فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري لا توطئ زرعنا فتوطأه عليه السلام بحماره حتي وصل اليه و نزل و جلس و باسطه و ضاحكه و قال له: كم غرمت علي زرعك هذا قال مائة دينار قال: فكم ترجو أن تصيب قال: لست أعلم الغيب قال له: انما قلت كم ترجو أن يجيئك منه قال أرجو أن يجي ء مائتا دينار.

قال فأخرج له أبوالحسن عليه السلام صرة فيها ثلاثمائة دينار و قال هذا زرعك علي حاله و الله يرزقك منه ما ترجو قال فقام العمري فقبل رأسه و سأله أن يصفح عن فارطه فتبسم اليه أبوالحسن و انصرف، قال: وراح الي المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر اليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته قال فوثب أصحابه اليه فقالوا له: ما قضيتك؟ قد كنت تقول غير هذا قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن و جعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام فخاصموه و خاصمهم فلما رجع أبوالحسن الي داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري: أيما كان خيرا ما أردتم أم أردت أنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم و كفيت به شره [1] .

اننا نجد في هذه القصة النظرة الاسلامية الواسعة التي كان ينظرها



[ صفحه 75]



الامام الي المواقف السلبية التي يقفها بعض خصومه منه عندما يبادرونه بالعداوة و البغضاء و فيما يثيرونه من ممارسات سيئة كالسب و التجريح فلم يكن ليتعقد من ذلك ليبادر الي مواجهة الموقف بالقوة التي تختار العنف القاتل و الجارح ضد هذا أو ذاك من خصومه بل كان يدرس الأمر من خلال الخطة الاسلامية في الدفع بالتي هي أحسن بحيث يتحول العدو الي صديق و ذلك بدراسة ذهنية هذا الرجل أو ذاك و دوافعه العدائية و نقاط الضعف أو نقاط القوة في شخصيته من أجل التخطيط للأسلوب العملي الذي يفسح المجال للدخول الي عقله و قلبه لاحتضان مشاعره في أجواء المحبة و المودة و للحصول علي صداقته في نهاية المطاف و هكذا رأينا الامام الكاظم يخطط للمسألة بالطريقة التي تختلف عما كان يفكر به أصحابه و استطاع أن يصل الي النتيجة الطيبة بشكل سريع بحيث تحول هذا الرجل الي شخص ينفتح علي الامام من موقع الرسالة لا من موقع الذات و هكذا اتخذ الامام من هذه التجربة الطيبة الناجحة منطلقا لتوجيه أصحابه الي الدخول في عملية مقارنة بين ما أرادوه من قتله و ما أراده من اصلاحه و لدراسة أمثال هذه القضايا بالطريقة التي يحلون فيه المشكلة من موقع المحبة لا من موقع العداوة و البغضاء من خلال أسلوب الرفق لا من خلال أسلوب العنف.

هل كان التشيع في عهد الامام الكاظم (ع) حركة اسلامية تعمل للوصول الي الحكم ليكون الأئمة علي رأس الدولة من موقع أنهم يمثلون الشرعية الوحيدة للولاية الاسلامية من خلال عقيدة الشيعة الامامية بأنهم خلفاء النبي و أوصياؤه، مما يجعل من السلطات الحاكمة أنذاك سلطات غير شرعية، لأنها لا تملك الأساس الشرعي في ذلك.

ربما كانت المسألة واردة في تفكير البعض من المتحمسين للخط الامامي في نطاق الحركة الشيعية أنذاك و لذلك فانهم كانوا يتحدثون الي الائمة في ذلك و يستعجلونهم التحرك لا سيما عندما كانوا يعيشون المعاناة الصعبة في اضطهاد السلطات لهم و محاصرتهم و تشريدهم، أو فيما كانوا يلاحظونه من التضييق علي الائمة (ع) بمختلف الوسائل من السجن



[ صفحه 76]



و الملاحقة المخابراتية و نحو ذلك.. و كان الأئمة يربطونهم بالمستقبل و يحدثونهم عن قائم آل محمد (ع) بطريقة متنوعة العناوين من دون أن يجدوا لهم تاريخا معينا ليخففوا من غلواء حماستهم التي قد تتحول الي عنصر ضاغط علي الواقع بحيث يدفعهم الي تصرفات غير معقولة قد تقضي علي الحركة من الأساس، و قد تهدد رموزها في وجودهم و في كل مواقعهم.

و ربما كان الائمة لا يرون أية فرصة واقعية لتحقيق هذا الهدف الكبير لأن المسألة قد تحتاج الي اعداد قاعدة كبيرة ملتزمة للنهج الاسلامي في خط أهل البيت (ع) مع القدرة علي التحرك الفاعل من خلال الامكانيات الخاصة و من خلال الظروف الموضوعية التي تحيط بالواقع الاسلامي كله... و لم تكن هذه القاعدة متوفره بالحجم الكبير و لم تكن الوسائل العملية بالمستوي الذي يمكنها فيه من الاقتراب نحو الهدف لا سيما اذا عرفنا أن أية حركة في مكان لا تستطيع أن تتواصل مع الحركة المساندة في موقع آخر لفقدان وسائل الاتصال السريعة مما يجعل للحركة موقعا محدودا خاضعا لامكانات الحصار المتعددة اذا لم يتوفر لها الاعداد اللازم الطويل الذي قد يكون الأساس فيه ايمان الناس بامامة أئمة أهل البيت (ع) بالدرجة التي تحقق الارتباط العملي بهم من خلال الارتباط الايماني بولايتهم.. و لم يكن ذلك متوفرا في الساحة الاسلامية العامة التي كانت تحمل التقدير و التعظيم للأئمة من أهل البيت (ع)، فيما تتمثله فيهم من الدرجة العليا من الايمان و العلم و العمل و المواقع الرفيعة في القرب من الله.. و لذلك، فأن عملية الاستجابة للحركة الامامية لا تحمل الكثير من الفرض الكبيرة مما يجعل منها في كثير من الحالات حركة انتحارية في نطاق المرحلة من دون أن تحقق أية نتيجة علي مستوي القضايا الكبيرة المطروحة في ساحة الأئمة من التوعية الروحية و الشرعية و السياسية ضد خط الانحراف.

و اذا كان البعض يتحدث عن حركة الامام الحسين (ع) التي كانت حركة استشهادية، تشبه الحالة الانتحارية، فيما تفتقده من فرص الانتصار فأن الظروف التي انطلقت فيها كانت بحاجة الي الصدمة العنيفة التي تهز



[ صفحه 77]



ضمير الأمة بعنف و تتحدي المظهر الاسلامي الشكلي للحكم الأموي الذي كان يخفي الانحراف عن الاسلام في داخله تحت قناع زائف... و بذلك فلم تكن حركة من أجل الوصول الي الحكم.. ولكنها كانت حركة من أجل اثارة القضايا الكبيرة في مواجهة خط الانحراف بقوة.. لتبقي للمعارضة الاسلامية الطليعية امكانات التحرك في الساحة في المستقبل بمفاهيمها التغييرية أو الاصلاحية، و ذلك بالقضاء علي الجمود الحركي الذي كان يخيم علي الساحة العامة من خلال السيطرة المطلقة التي يمارسها الحكم المنحرف أنذاك.

و في ضوء ذلك لم تكن الظروف التي عاشها الأئمة بعد ذلك هي نفس الظروف.. و لم يكن الوضع الاسلامي في حركته الثقافية و السياسية جامدا في نطاق الواقع الذي يسيطر عليه الحاكمون، بل كان يملك الحركة علي أكثر من صعيد سواء كان ذلك من خلال النشاط السياسي السري الذي يختزن في داخله بعضا من النشاط الثقافي، أو من خلال النشاط الثقافي العلني في الساحات الثقافية المتنوعة الممتدة في الحياة الاسلامية أو من خلال بعض الحركات الصغيرة في خط المعارضة المسلحة هنا و هناك... مما كان يجعل الواقع الاسلامي منفتحا علي أفاق التغيير في أكثر من موقع.

و قد كان الأئمة يرون أن أسلوب العملي الذي ينسجم مع المرحلة المعاصرة لهم هو أسلوب التوعية الروحية و الثقافية و التعبئة السياسية المتحركة في خط تكوين القاعدة الاسلامية الرافضة للانحراف في مستوي الواقع..

و لذلك كان كل جهدهم هو تكوين هذه القاعدة الشعبية المعارضة و حمايتها من أي اهتزاز أو ضغط أو انفعال و غير ذلك من الأوضاع التي تعرضها للخطر.

و كانت التقية بأساليبها المتعددة الوسيلة الحركية المتنوعة لحماية القاعدة و رعاية الخط، في المحاولة التي تتسامح فيها في التفاصيل للحفاظ علي المبدأ، و تتغاضي فيها عن الفروع للمحافظة علي الأصول في خطة مدروسة لا تسمح بالانحراف، أو بايقاع الفساد في الدين. كما لا تسمح



[ صفحه 78]



الحركة لأنها تمثل المرونة الحركية في خط السير فلا يمكن أن تتحول الي شلل و جمود.

و قد كانت المكانة الكبيرة التي يتميز بها الأئمة لدي المسلمين و العقيدة التي كان يعتقدها الشيعة بهم تمثل هاجساد دائما للخلفاء في زمانهم خوفا من تأثير ذلك. و لو علي المدي البعيد و علي مواقعهم في الخلافة، أو علي قوتهم فيها... فكانوا يطلقون الجواسيس عليهم ليرصدوا حركاتهم و علاقاتهم و أقوالهم و أصحابهم كما كانوا يوظفون الأموال لاغراء بعض ضعفاء النفوس من أقربائهم لينقلوا اليهم بعض أخبارهم مما قد يشارك ذلك في اتخاذ بعض الاجرءات القاسية كالحبس، و ربما أدي ذلك الي القتل بطريق السم و نحوه و هذا ما نلاحظه في بعض الأجواء المحيطة بالامام الكاظم (ع) علي أساس الروايات المنقولة في سيرته.

فقد ورد في عيون أخبار الرضا، للصدوق، فيما رواه عن علي بن محمد النوفلي قال: حدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيي بن خالد بموسي بن جعفر (ع) وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد الأشعث فساء ذلك يحيي و قال: اذا مات الرشيد و أفضي الأمر الي محمد انقضت دولتي و دولة ولدي و تحول الأمر الي جعفر بن محمد الأشعث و ولده و كان قد عرف مذهب جعفر في التشيع فأظهر له أنه علي مذهبه فسر به جعفر و أفضي اليه بجميع أموره و ذكر له ما هو عليه في موسي بن جعفر عليه السلام.

فلما وقف علي مذهبه سعي به الي الرشيد فكان الرشيد يرعي له موضعه و موضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره و يؤخر و يحيي لا يألو أن يخطب عليه الي أن دخل يوما الي الرشيد فأظهر له اكراما و جري بينهما كلام مت به جعفر بحرمته و حرمة أم أبيه فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار، فأمسك يحيي أن يقول فيه شيئا حتي أمسي ثم قال للرشيد: يا أميرالمؤمنين قد كنت أخبرك عن جعفر و مذهبه فتكذب عنه وههنا أمر فيه الفصل قال: و ما هو قال: انه لا يصل اليه مال من جهة من الجهات



[ صفحه 79]



الا أخرج خمسه فوجه به الي موسي بن جعفر و لست أشك قد فصل ذلك في العشرين ألف دينار التي أمرت بها فقال هارون: ان في هذا في الأمر لفيصلا، فأرسل الي جعفر ليلا، و كان قد عرف سعاية يحيي به فتباينا و أظهر كل واحد فيهما لصاحبه العداوة، فلما طرق جعفر رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيي و أنه انما دعاه ليقتله، فأفاض عليه ماء و دعا بمسك و كافور فتحنط بها، و لبس بردة فوق ثيابه و أقبل الي الرشيد، فلما وقعت عليه عينه و شم رائحة الكافور، و رأي البردة عليه، قال: يا جعفر ما هذا؟..

فقال: يا أميرالمؤمنين قد علمت أنه قد سعي بي عندك، فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم أمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي فأرسلت الي لتقتلني.

فقال: كلا، ولكن قد خبرت أنك تبعث الي موسي بن جعفر من كل ما يصير اليك بخمسه، و أنك قد فعلت ذلك في العشرين ألف دينار فأحببت أن أعلم ذلك فقال جعفر: الله أكبر يا أميرالمؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها.

فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر و انطلق به حتي تأتيني بهذا المال و سمي له جعفر جاريته الي عندها المال فدفعت اليه البدر بخواتيمها فأتي بها الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعي بي اليك قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا فأني لا أقبل فيك قول أحد قال: و جعل يحيي يحتال في اسقاط جعفر [2] .

و نلاحظ في هذه الرواية عدة أمور:

1- أن حركة التشيع قد استطاعت أن تدخل بعض أفرادها في عمق موقع الخلافة ليكون مربيا لولد الخليفة مما يدل علي المرونة الواسعة في امكانات الوصول الي المواقع المميزة في السلطة.



[ صفحه 80]



2- ان الشيعة كانوا يعملون للامتداد في مراكز السلطة الكبري بحيث أنهم يستفيدون من أية حالة تعاطت مع الخط الامامي ليؤكدوا العمل علي الارتباط بالامام في عملية تثقيف و توعية و انتماء و هذا ما لاحظناه في الحديث التفصيلي الذي أفاض به جعفر الأشعث ليحيي في خصوصيات المذهب.

و موقع الامام الكاظم (ع) في مسألة الامامة مع ملاحظة سلبية و هي السرعة التي انفتح فيها علي يحيي بمجرد أن ذكر له أنه علي مذهبه في الوقت الذي كان من المفروض أن يتأكد و يستوثق لموقفه بشكل أفضل.

3- أن يحيي كان يعمل علي الايقاع بجعفر خوفا من السلطة التي قد يحصل عليها في المستقبل من خلال علاقته بمحمد الأمين و لذا فقد كان يعمل علي الايقاع به من خلال نسبة التشيع اليه و علاقته بموسي بن جعفر الذي كان الرشيد يخاف من موقعه الكبير في الأمة فيما يعتقده فيه الشيعة من شرعية امامته و تقديمهم حقوقهم الشرعية اليه مما يوحي بأن المسألة تمثل درجة كبيرة من الخطورة بحيث أن جعفر كان يعتقد بأن اقتناع الرشيد بذلك يكفي في قتله بحيث استعد لذلك عند ارسال الرشيد خلفه.

و نلاحظ أن هذا الرجل كان واعيا لموقفه و موقعه بعد أن عرف نوايا يحيي ضده مما جعله يحتاط للمسألة في الأمور التي يمكن أن ينفذ منها الشك اليه. و هذا هو الذي جعله ينطلق أمام الرشيد في موقع القوة في الموقف بعد ظهور كذب يحيي في قوله، فطلب من الرشيد أن يمنحه الثقة المطلقة في المستقبل.

و يتابع النوفلي روايته فيقول: فحدثني علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه و ذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة قال: لقيني علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد فقال لي: مالك قد أخملت نفسك - ما لك لا تدبر أمر الوزير فقد أرسل الي فعادلته و طلبت الحوائج اليه.

و كان سبب ذلك أن يحيي بن خالد قال ليحيي بن أبي مريم: ألا تدلني علي رجل من آل أبي طالب له رغبته في الدنيا فأوسع له منها قال: بلي،



[ صفحه 81]



أدلك علي رجل بهذه الصفة، و هو علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد فأرسل اليه يحيي فقال: أخبرني عن عمك و عن شيعته و المال الذي يحمل اليه فقال له: عندي الخبر فسعي بعمه، فكان في سعايته أن قال: أن من كثرة المال عنده أنه اشتري ضيعة تسمي البشرية بثلاثين ألف دينار فلما أحضر المال قال البائع: لا أريد هذا النقد أريد نقد كذا و كذا فأمر بها فصبت في بيت ماله و أخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد و وزنه في ثمن الضيعة.

قال النوفلي: قال أبي: و كان موسي بن جعفر عليه السلام يأمر لعلي بن اسماعيل بالمال ويثق به حتي ربما خرج الكتاب منه الي بعض شيعته بخط علي بن اسماعيل، ثم استوحش منه فلما أراد الرشيد الرحلة الي العراق بلغ موسي بن جعفر أن أخيه يريد الخروج مع السلطان الي العراق، فأرسل اليه: ما لك و الخروج مع السلطان قال: لأن علي دينا فقال: دينك علي قال: و تدبير عيالي قال: أنا أكفيهم فأبي الا الخروج فأرسل اليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثماية دينار و أربعة ألاف درهم فقال: اجعل هذا في جهازك و لا توتم ولدي [3] .

و جاء في عيون أخبار الرضا عن علي بن ابراهيم عن اليقطيني عن موسي بن القاسم البجلي عن علي بن جعفر قال: جاءني محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد و ذكر لي أن محمد بن جعفر دخل علي هارون الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال له: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتي رأيت أخي موسي بن جعفر يسلم عليه بالخلافة قال: قال: و كان سعي بموسي بن جعفر يعقوب بن داود و كان يري رأي الزيدية [4] .

و نلاحظ في هذه النصوص أمورا:

1- أن موقع النفوذ العليا في سلطة الخلافة كانت تبحث عن العناصر القلقلة في محيط الامام الكاظم (ع) لتوظفها في سبيل ايصال المعلومات



[ صفحه 82]



المخيفة للرشيد التي تؤكد له خطورة موقع الامام الكاظم (ع) كمنافس خطير له في الخلافة، و قد استطاع حسب الرواية الحصول علي شخص علي بن اسماعيل بن جعفر و هو ابن أخ الامام الكاظم (ع) الذي كان يعيش عقدة داخلية كبيرة بحيث لم ينفع احسان الامام اليه و تقريبه الي خصوصياته و مواقع المسؤولية لديه و وعده اياه بكل خير ثم كان الشخص الآخر حسب الرواية الثانية أخاه محمد بن جعفر الذي فاجأ الرشيد بأن الامام الكاظم (ع) يتصرف مع شيعته كما يتصرف الخليفة مع أتباعه أو كما يتصرفون معه و لم تذكر هذه الرواية ما هي طبيعة الظروف التي أملت عليه هذا السلوك المجرم..

و قد نلاحظ أن الرواية الأولي قد تحدثت عن موقع الثقة التي يوليها الامام الكاظم (ع) لأخيه محمد بن جعفر حتي أنه كان يجعله وسيطا لاقناع علي بن اسماعيل بن جعفر بالعدول عن موقفه فنتساءل عن مدي دقة الرواية الثانية في صحتها ولكنها علي أي حال تعطي فكرة عن النظرة التي كانت تسود الذهنية التاريخية حول الموضوع.

2- اذا صحت هاتان الروايتان أو أحدهما فقد تستوحي منهما الفكرة القائلة بأن البيت العظيم الشريف لا يمنح صاحبه مناعة من الانحراف و لا يعطيه امتيازا قدسيا في نفوس الناس فقد لاحظنا كيف تصرف هذان الشخصان أو أحدهما حسب الروايتين ضد الامام الكاظم، بالرغم من كل رعايته لهما.

و قد نستفيد من ذلك أن علي القياديين الاسلاميين أن لا يستسلموا لأقربائهم في منحهم الثقة المطلقة و اطلاعهم علي أسرارهم فقد يكون من بين هؤلاء من يرتبطون بالمخابرات الاستكبارية الكافرة أو بالأجهزة الظالمة بحيث ينقلون اليهم كل المعلومات و كل الأسرار التي تهدد القيادة في سلامتها و العمل في حركته.


پاورقي

[1] الارشاد ص 317.

[2] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 69.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر نفسه ص 72.