بازگشت

ملاحظات حول دراسة الأئمة


و قد نحتاج الي اثاره قضية بارزة مهمة جدا في الصورة التي يقدمها الوعاظ و الخطباء عن الأئمة (ع) للوسط الشعبي فنري أن التأكيد يتركز علي جانب الغيب في شخصيته، فيما هي الأسرار الغامضة، و فيما هي المعاجز الخارقة، و علي جانب المأساة التي تستنزف الدمع بحيث تتحرك المسألة في حشد أكبر عدد ممكن من العناصر المأساوية، كيفما كانت، للايحاء بشخصية الضحية، التي تضيع أمامها شخصية البطل..

و لعل الأساس في ذلك هو أن هناك استغراقا في الذات علي أساس تأكيد عظمة الامام من خلال الغيب، و تأكيد العاطفة في العلاقة به من خلال المأساة... و ذلك من أجل الوقوف أمام الاتجاه الآخر الذي يعمل علي انكار حقه و امامته ليزداد المؤمنون ارتباطا به علي خط الانفتاح علي الغيب و العاطفة..

و علي ضوء ذلك، كان الاهتمام الكبير متجها الي هذا الجانب من شخصيته... و قد أدي ذلك الي اغفال الجانب الغني من شخصيته كانسان فيما هي ملامح العظمة الانسانية التي لا تبتعد عن واقع المعاناة الذاتية، و الجهاد العملي و ابعاد الجانب الفكري في حركة الفكر الذي يدفع بالأفكار الحركية الامامية المنطلقة من القواعد الاسلامية العامة.

و قد وصل الانحراف في هذا الجانب الي مستوي خطير جدا، بحيث فقدت سيرة الأئمة، في نظر بعض العلماء مضمونها الاسلامي العام الذي يمكن أن يكون مصدرا لاستلهام الحكم الشرعي، أو قاعدة للقدوة... و ذلك بحجة أن الامام ينطلق في هذا السلوك من موقع عصمته، و تكليفه الخفي الذي لا ندركه لا من موقع القاعدة الاسلامية العامة المنطلقة من المصادر المادية للشريعة.

فنري أن بعض الناس لا يري في سلوك الامام علي (ع) مع الخلفاء الذين تقدموه أساسا للانفتاح الكبير الواسع في الدائرة الاسلامية علي أساس اقتضاء المصلحة الاسلامية لذلك بل يري المسألة مسألة «قلة الأنصار»



[ صفحه 11]



و «الخوف علي الحياة» الذي يتحرك معه التصرف في دائرة التقية... و بذلك فانهم يرفضون دراسة الواقع المعاصر في نطاق المشاكل المعقدة بين المسلمين في النطاق المذهبي، أو في النطاق السياسي علي أساس تقديم التنازلات للآخرين من أجل الوضع الاسلامي الذي يرفض ذلك، أو علي أساس التخطيط لبعض المشاريع الوحدوية التي تتناسب مع مصلحة المسلمين.

و قد نلاحظ الكثير من الحديث عن رفض اعتباره ثورة الامام الحسين (ع) نموذجا علميا للحركة الاسلامية الثائرة في خط «الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،» و «الرفض للسلطة الظالمة» و «الوقوف مع العزة ضد مواقف الذلة» لأن هذا الفريق يري المسألة متعلقة بالتكليف الخاص للامام الحسين (ع) و ليس لها علاقة بالتكليف العام الذي يرتبط بالمسلمين جميعا، فلا يجوز لهم أن يتحركوا في الاتجاه التي تحركت به ثورة الامام الحسين (ع) فيما لو تطابقت ظروفهم مع ظروفها، لأن الاسلام يحرم عليهم القاء النفس في التهلكة.

و قد يقدمون سيرة الأئمة الذين جاؤوا بعد الامام الحسين (ع) شاهدا علي ذلك لأنهم لم يتحركوا في خط الثورة بل أخذوا بأسباب المسالمة و المهادنة التي قد تعيش في دائرة التقية..

اننا نحتاج الي أن ندخل الأئمة في حياتنا العملية من خلال التأكيد علي دورهم الرسالي في حياتنا، لنشعر بأنهم يتحركون معنا في مواقعهم القيادية علي صعيد الخط التربوي و السياسي و الاجتماعي، في حركة الفرد و الأمة مما يجعل من تأكيدنا للجانب الولائي بهم، تأكيدا للخط الفكري و العملي المتمثل بفكرهم و سلوكهم.

و قد ينبغي لنا أن نفكر بالعمل علي تجديد مضمون الزيارات المرسومة للنبي محمد (ص) و للأئمة من أهل البيت (ع) باعتبار حاجة المرحلة المعاصرة الي تربية الأئمة علي المفاهيم الاسلامية التي تفرضها حاجة الحركة الاسلامية العالمية الي استلهام فكر أهل البيت (ع) في فهمهم للاسلام،



[ صفحه 12]



بحيث يتمثل الزائرون هذه المعاني في الفكر و في السيرة، في أثناء زيارتهم، لتكون المسألة لديهم، هي في الاستغراق في حياة النبي و الامام بدلا من الاستغراق في الذات.

و في ضوء ذلك يمكننا أن نخرج العلاقة بهم من مواقع الحب العاطفي الساذج الي مواقع الولاية المتمثلة في الالتزام بالخط و الموقف، في جو، تمتزج فيه العاطفة بالفكر، و يتحرك فيه الانتماء بالموقف.

اننا لا نريد أن نرفض اثارة الجو المأساوي، فيما عاشه الأئمة عليهم السلام من المصائب و الآلام، ولكننا نرفض اعتباره عنصرا أساسيا في القضية، بحيث تغرق الجوانب الأخري الحية من حياتهم في الدموع.

هذا، مع ملاحظة مهمة جدا، و هي أن التأكيد علي هذا الجانب، و لا سيما بعد أن ارتبطت ذكريات الائمة (ع) في وفياتهم بالمأساة، أبعد المضمون التاريخي عن الدقة في ملاحقة السند أو المتن بحيث تغلب الجو المأساوي علي حديث الخطباء من قراء التعزية حتي أنهم قد ينقلون بعض الأحاديث التي لا تتناسب مع مقام الأئمة فيما هي الشخصية القوية المتماسكة و فيما هو الموقف الثابت. و قد وصل الأمر بهم الي أن أطلقوا بعض الكلمات المأثورة عن الأئمة (ع) باعتبارها من المسلمات مع أنها ليست كذلك، كما في الكلمة المشهورة «ما منا الا مسموم أو مقتول»...

و قد رأينا الشيخ المفيد ينكر ذلك و يعتبر هذه المسألة من المشهورات التي لا أصل لها، الا في بعض الأئمة (ع) و هذا ما أكده في تصحيح الاعتقاد قال: فأما ما ذكره أبوجعفر من مضي نبينا و الائمة (ع) بالسم و القتل فمنه ما ثبت و منه ما لم يثبت و المقطوع به أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين (ع) خرجوا من الدنيا بالقتل و لم يمت أحدهم حتف أنفه، و ممن مضي بعدهم مسموما موسي بن جعفر (ع) و يقوي في النفس أمر الرضا (ع) و ان كان فيه شك فلا طريق الي الحكم فيمن عداهم بأنهم سموا أو اغتيلوا أو قتلوا صبرا فالخبر بذلك يجري مجري الأرجاف [1] و ليس الي تيقنه سبيل [2] .



[ صفحه 13]




پاورقي

[1] أرجف خاض في الأخبار السيئة و الفتن قصد أن يهيج الناس (مجمع البحرين).

[2] تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ص 63 الطبعة الثانية تبريز 1371 ه.