بازگشت

الامام مع الثائرين علي الحكم في عهده


و كان الامام الكاظم (ع) يواجه المشكلة في حركة الثائرين من أهل بيته أو من الطامحين للموقع القيادي فيما يرونه من شرعيتهم الامامية في ذلك، فكانوا يطلبون منه الانضمام اليهم و تقديم البيعة لهم لما يجدونه لديه من قدسية و نفوذ و امتداد في الأمة مما يستطيعون معه الحصول علي قوة كبيرة.

و كان لا يري للحركة المسلحة فرصة للنجاح كما لا يجد لها أية نتيجة سياسية ضاغطة علي الواقع علي صعيد نتائج المستقبل فيما يجعل عليه من أوضاع الثورة في الحاضر، الأمر الذي يجعل منها قفزة في الفراغ، فيما يشبه العملية الانتحارية التي قد تختزن مضمونا ثوريا، و مفهوما اسلاميا يبعدها عن العبث الانتحاري ولكنها لا تختزن التأثير في الواقع حتي علي مستوي العلاقة التي تهز مواقع السلطة فيه من الناحية المعنوية أو من الجانب الشعوري.

و كان يري في بعض تحركات الطامحين من هؤلاء نوعا من النزق القيادي فيما هي الطموحات لأنهم لا يملكون الشرعية في مواقعهم لأن الامامة هي للأئمة المعروفين من أهل البيت (ع) و منهم الامام الكاظم (ع) كما أنهم لا يستطيعون الوصول الي النتائج الحاسمة في حركة الطموحات و في خط القضايا الكبيرة..

فكان يرفض الدخول معهم في ذلك و يحتاط لموقعه في خطابه لهم كرد فعل علي خطابهم له حتي لا يتحمل النتائج السلبية المترتبة علي ذلك عندما تتجه الأمور في الاتجاه الخطير.. ولكنه كان يتعاطف مع بعضهم ممن



[ صفحه 91]



يعرف فيهم الطهارة و الاخلاص و الاستقامة في خط الحماس للثورة و للأمة من دون أن يكون لهم طموحات ذاتية غير شرعية.

و هذا هو ما لا حظناه في موقفه في النموذج الأول، مع يحيي بن عبدالله بن الحسن الذي كان يطمح للخلافة من موقع أن له الحق فيها..

فقد كتب الي الامام كتابا قاسيا خارجا عن اللياقات الأخلاقية فيما يشبه الشتم و التجني. و ذلك فيما رواه في الكافي باسناده عن عبدالله الجعفري قال: كتب يحيي بن عبدالله بن الحسن الي موسي بن جعفر (ع) أما بعد فاني أوصي نفسي بتقوي الله، و بها أوصيك فأنها وصية الله في الأولين و وصيته في الآخرين خبرني من ورد علي من أعوان الله علي دينه و نشر طاعته بما كان من تحننك مع خذلانك و قد شاورت في الدعوة للرضا من آل محمد (ص) و قد احتجبتها و احتجبها أبوك من قبلك و قديما ادعيتم ما ليس لكم و بسطتم آمالكم الي ما لم يعطكم الله فاستهويتم و أضللتم و أنا محذرك ما حذرك الله من نفسه.

و كتب اليه أبوالحسن موسي بن جعفر (ع) من موسي بن أبي عبدالله جعفر و علي مشتركين في التذلل لله و طاعته الي يحيي بن عبدالله بن الحسن، أما بعد فاني أحذرك الله و نفسي و أعلمك أليم عذابه، و شديد عقابه و تكامل نقماته، و أوصيك و نفسي بتقوي الله فانها زين الكلام و تثبيت النعم، أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع و أبي من قبل، و ما سمعت ذلك مني و ستكتب شهادتهم و يسألون و لم يدع حرص الدنيا و مطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم حتي يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم.

و ذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك و ما منعني من مدخلك الذي أنت فيه لو كنت راغبا ضعف عن سنة و لا قلة بصيرة بحجة، ولكن الله تبارك و تعالي خلق الناس امشاجا و غرائب و غرائز فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما ما المعترف في بدنك و ما الصهلج في الانسان ثم أكتب الي بخبر ذلك.

و أنا متقدم اليك أحذرك معصية الخليفة و احثك علي بره و طاعته و أن



[ صفحه 92]



تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار و يلزمك الخناق من كل مكان تتروح الي النفس من كل مكان و لا تجده حتي يمن الله عليك بمنه و فضله ورقة الخليفة أبقاه الله فيؤمنك و يرحمك و يحفظ منك أرحام رسول الله (ص) و السلام علي من اتبع الهدي «انا قد أوحي الينا أن العذاب علي من كذب و تولي» (سورة طه الآية 48).

قال الجعفري: فبلغني أن كتاب موسي بن جعفر وقع في يدي هارون فلما قرأه قال: الناس يحملوني علي موسي بن جعفر و هو بري ء مما يرمي به [1] .

اننا نلاحظ في كتاب يحيي خروجا عن الاتزان في الحديث مع الامام في التهجم عليه و علي أبيه الامام الصادق (ع) و في اللهجة التحذيرية التي توحي بالتهديد و تختزن في داخلها الحالة النفسية العنيفة في الموقف السلبي الذي يقفه الامام منه و من طموحاته الذاتية و لذلك كان جواب الامام موعظة و نصيحة و تحذيرا من النتائج السلبية فيما يمكن أن تنتهي اليه حركته من نتائج وخيمة.. و قد يكون في الطريقة التي عالج بها الامام الحديث عن الخليفة في نصيحته ليحيي بالاعتذار اليه ليصفح عنه لون من ألوان الاحتياط لموقفه باعتبار أن مثل هذه التحركات قد توحي للخليفة بأن الامام يقف وراءها باعتبار أنه يمثل الشخص الوحيد المؤهل للخلافة عندما تبتعد عن بني العباس الي أهل البيت من ولد علي (ع).

و قد نجد في هذا أسلوبا في العمل السياسي الأمني عندما تمس الحاجة الي ابعاد الأجهزة المخابراتية المرتبطة بالجاسوسية الدولية أو الاقليمة أو المحلية عن مواقع الحركة الاسلامية و توجيهها الي وجهة أخري بعيدة عن مواجهة الموقع القيادي بشكل مباشر.

أما في النموذج الثاني فهو الحسين صاحب فخ الذي روي صاحب مقاتل الطالبين أنه سأل الامام موسي بن جعفر في الخروج علي الخليفة



[ صفحه 93]



فقال: انك مقتول فأجد الضراب فان القوم فساق يظهرون ايمانا و يضمرون نفاقا وشكا فانا لله و انا اليه راجعون و عندالله جل و عز «احتسبكم من عصبة» [2] .

و روي في موضع آخر بأسانيده عن عنيزة القضباني قال: رأيت موسي بن جعفر بعد عتمة و قد جاء الي الحسين صاحب فخ، فانكب عليه شبه الركوع و قال: أحب أن تجعلني في سعة و حل من تخلفي عنك فاطرق الحسين طويلا لا يجيب ثم رفع رأسه فقال: أنت في سعة [3] .

اننا نلاحظ موقفا يختلف عن موقف الامام من يحيي لأن الحسين لم ينطلق من موقع طموح ذاتي و من حالة تمرد علي الامامة و الامام بل انطلق من موقع الرفض الحاسم للواقع الذي كان يعيشه الناس في ظل الحكم الجائر و ذلك فيما يمثله خطابه الثوري للناس فقد قال عند ما جاء الناس اليه يبايعونه: أبايعكم علي كتاب الله و سنة رسول الله (ص) و علي أن يطاع الله و لا يعصي و أدعوكم الي الرضا من آل محمد و علي أن أعمل فيكم بكتاب الله و سنة نبيه و العدل في الرعية و القسم بالسوية و علي أن تقيموا معنا و تجاهدوا عدونا فان نحن و فينا لكم وفيتم لنا و ان نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم.

و لما فشلت الحركة و قتل الحسين و أصحابه وقف الامام ليؤبنه «انا لله و انا اليه راجعون مضي والله مسلما صالحا صواما قواما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر و ما كان في أهل بيته مثله [4] .

انه يعطي الثائر الشرعية من خلال صفاته القيادية الاسلامية و لا يعتبر التحرك انحرافا عن الخط في الوقت الذي لا يجد ضرورة له أو فرصة للنجاح، مما يجعل منه حركة غير مضمونة النتائج علي الصعيد الايجابي..

ولكن ذلك لا يمنع التعاطف مع الثائر و الثورة... و قد تستوحي من ذلك



[ صفحه 94]



امكانية الحديث عن شرعية المواجهة للحاكم الجائر انطلاقا من الحماس الايماني الثائر في الخط الاسلامي الثوري علي أساس القواعد الاسلامية للتغيير.. حتي لو لم تنطلق من خلال القيادة الشرعية بشكل مباشر.. فان الخطأ في عدم الارتباط بالقيادة شي ء و الرفض للثائر و للثورة من ناحية اسلامية شعورية شي ء آخر.

اننا من خلال هذا العرض كله نستطيع التأكيد علي نقطة مهمة في حركة العمل الاسلامي في واقع الأمة، و هي دراسة الظروف الدقيقة التي تحكم الساحة العامة للواقع السياسي و الاجتماعي الثقافي للتعرف علي العناصر الحية التي تحكم امكانات العمل و مراحله و أهدافه.

فقد تكون القضية هي أن ينطلق العاملون من أجل تعبئة الذهنية الاسلامية العامة بثقافة الرفض للحكم المنحرف الذي لا يملك الشرعية الاسلامية، سواء كان حكما يتحرك في مواقع الحكام المسلمين أو في مواقع غيرهم و ايجاد القاعدة النفسية ضد الاستسلام له أو الانجذاب اليه أو الارتباط به بشكل عضوي.. و توجيه الفكر الحركي الي الانطلاق مع القيادة الشرعية في مظاهرها و مواقعها المتنوعة الهادفة الي العمل من أجل أن تكون هي البديلة عن القيادة اللاشرعية و أن يكون الاسلام هو البديل عن النظام غير الاسلامي، ليبقي هاجس الانفتاح علي مسألة الشرعية في القيادة و النظام، و في وعي الأمة الاسلامية كوسيلة من وسائل الانفصال عن الانسجام مع شرعية الواقع لأن المسألة الثقافية اذا لم تنطلق في شمولية النظرة الي تفاصيل الواقع في التخطيط لحركة المسألة السياسية، فسوف يتغير التصور العام للمسلمين لمصلحة الكفر و الانحراف انطلاقا من الانفتاح علي الأمر الواقع الذي ينفذ بفعل امتداد الزمن الي الفكر و الشعور و الحركة العملية.

و قد تكون القضية المطروحة هي أن لا يكون خط التشيع فيما هو التشيع وجهة نظر في خط الاسلام حالة معزولة عن الواقع العام للمسلمين فيبتعد أتباع أهل البيت (ع) عن حركة المجتمع في الحالات التي يبتعد فيها الحكم الاسلامي الشرعي عن السيطرة علي الحياة، بل ينبغي لهم أن



[ صفحه 95]



يدرسوا موقعهم و مواقع المسلمين الآخرين في كل الساحات المحلية و الاقليمية و الدولية، بالطريقة التي تجعل لهم موقعا فاعلا في المجالات العامة الحيوية فيما يحفظ لهم وجودهم و موقعهم و امتدادهم انطلاقا من المصلحة الاسلامية العامة في ذلك، و استيحاء من أسلوب الامام الكاظم (ع) المتحرك بمرونة في النفوذ الي مراكز القوة في الدولة التي لا تتمتع بالشرعية لديه.

و قد تكون القضية المطروحة هي مواكبة الاتجاهات الثورية في الدائرة الاسلامية المتحركة باستقلالية معينة عن خط القيادة العامة التي لا تملك الامكانات العملية الحركية أو لا تري مصلحة لموقعها القيادي بالتحرك في هذا الاتجاه... ولكنها تحمل الرغبة في تغيير الواقع و في العمل علي اهتزازه و في تحريك الناس ضده مما يجعل من الثورات المنطلقة من قبل الثائرين الذين يملكون اخلاصا كبيرا و أمانة قوية و اجتهادا معينا في أسلوب العمل خطوة متقدمة في الاقتراب من الهدف الكبير الأمر الذي يدفعنا الي تأييدها و التعاطف معها كما فعل الامام الكاظم (ع) مع حركة الحسين صاحب فخ، حسب الرواية.

و أخيرا... اننا ندعو الي دراسة تراث أئمة أهل البيت (ع) و مواقفهم دراسة جديدة منفتحة علي حرة الاسلام كله في كل مواقع المسيرة الاسلامية... حتي نجعل من حركتنا الاسلامية حركة مرتبطة بحركتهم في الوسائل و الأهداف و المواقف و المواقع في دراسة شمولية تنفتح علي المراحل كلها في تاريخ الأئمة و علي الواقع كله في حياتنا الاسلامية العامة.

اننا نحتاج الي دراسة استيحائية واقعية تبتعد عن الاستغراق في الذات لتقترب من الانطلاق مع الرسالة و الحركة و الأهداف.


پاورقي

[1] الكافي ج 1 ص 366.

[2] مقاتل الطالبين ص 447.

[3] نفس المصدر ص 449.

[4] نفس المصدر ص 453.