بازگشت

مع الشهيد السيد الصدر في (دور الأئمة في الحياة الاسلامية)


و قد أثار بعض المفكرين الاسلاميين مسألة النظرة الي الأئمة ككل مترابط، و دراسة هذا الكل، و اكتشاف ملامحه العامة و أهدافه المشتركة و مزاجه الأصيل، و بالتالي دراسة الدور الذي مارسه الأئمة جميعا في الحياة الاسلامية. و يري هذا المفكر الاسلامي، أن وجود دور مشترك مارسه الأئمة جميعا ليس مجرد افتراض نبحث عن مبرراته التاريخية، و انما هو مما تفرضه العقيدة نفسها، و فكرة الامامة بالذات، لأن الامامة واحدة في الجميع بمسؤولياتها و شروطها فيجب أن تنعكس انعكاسا واحدا في سلوك الأئمة و أدوارهم مهما اختلفت ألوانها الظاهرية بسبب الظروف و الملابسات و يجب أن يشكل الأئمة بمجموعهم وحدة مترابطة الأجزاء يوصل كل جزء في تلك الوحدة دور الجزء الآخر و يكمله [1] .

و نلاحظ علي هذا الرأي أن هناك فرقا بين الحديث عن وجود خطة متكاملة، و وحدة مترابطة بحيث يتوزع الأئمة الأدوار بشكل اختياري ليبدأ أحدهم من حيث انتهي الآخر، أو يكمل أحدهم ما بدأه الآخر و بين الحديث عن وجود هدف واحد من خلال وحدة الرسالة و وحدة المهمة الرسالية في المحافظة علي استقامة الخط الرسالي و علي وجود القاعدة القوية التي تحرس مفاهيم الرسالة من الانحراف بقيادة الأئمة، في الوقت الذي ينطلق فيه الأئمة من طبيعة الظروف الموضوعية في تحديد طبيعة التحرك و نوعية الأسلوب، و تعيين الموقف علي أساس المنهج الاسلامي العام في ادارة الأمر كله، فيما يملكونه من المعرفة الاسلامية الواسعة الدقيقة التي تتيح لهم دراسة الواقع الذي يعيشون فيه، مقارنا بالحقيقة الشرعية التي يملكونها.

و نحن لا نجد هناك مؤشرا واضحا دقيقا للفرضية الأولي، فيما تحدده من الدور المشترك بأنه «الموقف العام الذي وقفوه في خضم الأحداث و المشاكل التي اكتنفت الرسالة، بعد انحراف التجربة و اقصائهم عن مركزهم القيادي في زعامتها [2] .



[ صفحه 17]



فان الدراسة التفصيلية لحياة الأئمة لا توحي بوجود خطة متكاملة بالمعني التفصيلي الذي يضع لكل واحد منهم أسلوبا خاصا، و موقعا معينا في دائرة الخطة... بل كل ما هناك، أن الخط الرسالي المتمثل في الاسلام الأصيل، هو العنوان العام الذي كان يحكم حركتهم من خلال رساليتهم، تماما كما هو العنوان العام لكل الرساليين الذين يلتزمون نهجهم و يتبعون خطهم، من دون تواصل عضوي خاضع خاضع لدراسة مسبقة، و تخطيط مرسوم في هذا الموضوع.

و لم يحدد المفكر الاسلامي الكبير الملامح لذاتية لهذه الخطة الا فيما ذكره من تتابع نشاط الامام علي (ع) و الامام الحسين و الامام الباقر في التأكيد علي الاستشهاد بالصحابة و التابعين في الحديث عن النصوص الواردة عن النبي (ص) في علي و أهل البيت، فقد استوحي من ذلك «أن العمليات الثلاث و زعت علي ثلاثة أجيال، نجد أنفسنا أمام تخطيط مترابط يكمل بعضه بعضا يستهدف الحفاظ علي تواتر النصوص عبر أجيال عديدة حتي تصبح في مستوي الوضوح و الاشتهار يتحدي كل مؤمرات الاخفاء و التحريف.

و نحن لا نجد في ذلك شاهدا علي فكرة الترابط، بل نجد فيها مجرد نشاط طبيعي عام تفرضه طبيعة الظرف الموضوعي، و الحاجة الطارئة الي الاحتجاج بذلك في موقف الامام علي (ع) الذي كان يعمل علي اثبات حقه في مقابل المنكرين له في جو المناقشة، و في موقف الحسين (ع) الذي كان يواجه جيش بني أمية الذي جاء يقاتله ليقيم عليه الحجة بنصوص النبي (ص) ليبطل بذلك موقفهم العدواني، و في موقف الباقر الذي كان يجيب بعض السائلين أو يتحدي بعض المعانذين في ذلك، فلم تكن المسألة مسألة تخطيط يستهدف الوصول الي ما ذكره من النتيجة.. بل كانت مسألة حديث فرضته الظروف التي تختلف في طبيعتها في تحديد الحاجة المتحركة التي تنطلق في دائرة الوضع الخاص الذي تفرضه طبيعة الامامة التي تثير من التساؤلات ما لم يثره شئ آخر...



[ صفحه 18]



أما الحديث عن أن فكرة الامامة بالذات تفرض ذلك لأن الامامة واحدة في الجميع بمسؤولياتها و شروطها، فانه لا يؤدي الي النتيجة المذكورة، لأن وحدة الامامة تفرض وحدة الرسالة و وحدة الهدف ولكنها لا تفرض وحدة الخطة المترابطة فيمكن أن تترك لكل امام أن يحدد تكليفه العملي تبعا لظروفه الخاصة التي قد تفرض تباينا في السلوك و اختلافا في الحالات ولكن لا علي أساس التناقض في الاتجاه، بل علي أساس اختلاف طبيعة المعطيات المتنوعة التي قد تجعل الحكم الشرعي هنا مختلفا عن الحكم الشرعي هناك تبعا لاختلاف الموضوعات فيما تختلف فيه الأوضاع و الشروط، فقد تمس الحاجة الي الصلح و المهادنة، كما فعله الامام الحسن (ع) لأن الظروف الموضوعية كانت تقتضي اغلاق ملف الحرب التي قد تنسف الموقف كله، فلا يبقي للامام و فريقه، أية فرصة للبقاء، مما يعرض الخط الاسلامي الأصيل للزوال، فتكون المهادنة وسيلة من وسائل الحفاظ علي الاسلام، بالرغم من الموقف الضعيف الشكلي في تلك الفترة، و قد تمس الحاجة الي القتال و التضحية كما فعله الامام الحسين (ع) من أجل ايجاد الصدمة القوية التي تفتح الثغرة الكبيرة في جسد الحكم المنحرف الطاغي، في الوقت الذي تبقي للمعارضة قوتها و فاعليتها بعد الحرب، بل ربما تحصل علي مواقع جديدة للقوة بفعل بعض المؤثرات الايجابية في هذا الاتجاه.

و هكذا نجد المسألة في سلوك الامام السجاد (ع) الذي لم يقتصر نشاطه علي الدعاء بل كان ممتدا في الجانب العلمي الذي تمثل في الرواة الكثيرين عنه، بحيث يمكننا القول بأن الامام السجاد كان أستاذ تلك المرحلة الذي تخرج علي يديه الكثيرون من أعمدة الحياة الاسلامية آنذاك.. فنحن نناقش المقولة التي تري في أسلوب السجاد تركيزا علي مسألة الدعاء، لا سيما اذا عرفنا أن أدعيته لم تنتشر الا بعد وفاته بزمان طويل، و قد تكون الصورة المأخوذة عنه في الاستغراق الدائم في العبادة بحيث تستغرق يومه و نهاره و تعزله عن المجتمع غير دقيقة... فان دراستنا لنشاطه و لحديثه المتنوع



[ صفحه 19]



في مواقعه و في عناوينه، توحي الينا بأن وقته كان يتسع لكل تلك النشاطات الكثيرة.

و هكذا وجدنا الامامين الصادقين يتحركان علميا بهذا الشكل الواسع الذي لم يتحرك به الأئمة الآخرون، لأن ظروفهما كانت تسمح بذلك بما لم تسمح به ظروف غيرهم من الأئمة نظرا للحصار المفروض عليهم من قبل السلطة.

و قد نلاحظ علي هذه الفكرة، أن الحديث الذي أثارها كان مليئا بالشواهد علي وجود دور أيجابي للأئمة في الواقع الذي يتحركون فيه بدلا من الدور السلبي الذي يتصوره البعض الذين يختزنون في تصورهم صفة المظلومية السلبية للأئمة (ع) و لم يأت بشاهد واضح علي طبيعة الدور المشترك في نطاق الخطة المترابطة الأجزاء.

و اننا في الوقت الذي نؤكد فيه علي أن هذه الفكرة تثير المزيد من الاهتمام في التدقيق في حياة الأئمة (ع) و في دراستها بهذا الشكل الجديد، ولكننا نري أننا لا نجد فيما قدمه هذا المفكر الاسلامي الكبير، من الشواهد علي ذلك، الا بعض القضايا التي تلتقي مع الخطوط العامه للرسالة، من دون أن يكون هناك دليل علي الخطوط التفصيلية للفكرة و الخطة.. و لذلك فلابد من المزيد من البحث و المناقشة في هذا الموضوع الجدير بالاهتمام.

هذه ملاحظات قصيرة في بعض الأفكار التي أردنا اثارتها أمام مسألة الدراسة الموضوعية للأئمة (ع) من أجل أن تتكامل الصورة في كل مواقع الذات و الموقف و الرسالة، و الحركة، ليكون التصور العام و التفصيلي لشخصيات الأئمة تصورا اسلاميا متوازنا، كأناس رساليين في مواقع القيادة المتحركة في نطاق المراحل الزمنية، و العلمية المختلفة التي نحتاج الي التعرف عليها في دراسة مقارنة تنطلق من معرفة خصائص تلك المراحل، و معرفة خصائص المرحلة لنحدد لأنفسنا طريقة التحرك من خلال التجربة التي تعهدها الأئمة عليهم السلام، كل في مرحلته، و فرضوا لها الحلول التي



[ صفحه 20]



تتناسب معها لتتحرك أفكارهم القيادية في أفكارنا، و خطواتهم العلمية في خطواتنا، و لندخل في حوار طويل شاق مع الفئات المتخلفة من العلماء و المثقفين و العامة من الناس الذين يريدون تجميد حياة الأئمة في داخل مرحلتهم الزمنية فلا يوافقون علي أن تمتد تجربتهم في تجاربنا، و تطلعاتهم في تطلعاتنا بل يعملون علي أن يكون الامام مجرد قمة انسانية نتطلع اليها من بعيد من دون أن نحاول الوصول اليها أو الاقتراب منها، ليكون الالتزام بالامامة مجرد التزام تقليدي في الاعتراف بالامام في موقعه التاريخي من دون أن يترك تأثيراته في حياتنا في أفكار و مشاريعه و تبقي لهم الأسماء التي نعددها لأولادنا ليحفظوها في أذهانهم دون أن يعيشوها في حياتهم.

و تتحول المسألة لدينا في الارتباط بالأئمة ارتباطا تقليديا، يتخذ مظهره في المواليد و الوفيات التي نتحدث فيها عن آفاق الفرح و الحزن التقليديين و في الزيارات التي لا تزيد الزائر معرفة بالامام، بقدر ما تزيده عاطفة و انفعالا و اندفاعا من دون أن تتأثر حياته العملية بذلك لتدخل المسألة في التقاليد و الطقوس التي تتجمد في وعينا لتجمد الحياة من حولنا في نطاق الوعي الاسلامي.. حتي اننا أصبحنا نخشي من العامة التي قد تختزن بعض التصورات غير الصحيحة في كثير من القضايا، أو بعض الممارسات القلقلة في بعض الأوضاع، فلا نتمكن، حتي علي مستوي العلماء الكبار، من التنبيه عليها حذرا من أن نفقد ثقتنا عندهم..

اننا نريد للأئمة أن يتحركوا معنا في حياتنا ليقودوها من موقعهم الفكري الاسلامي، و من موقعهم الروحي الايماني، و من امامتهم المتحركة في اتجاه حماية الاسلام من الانحراف علي خط رسول الله (ص) و لذلك فاننا ندعو الي اثارة كل مفاهيمهم في العقيدة و في الشريعة و في الحياة في وعي الأمة لتختزن الأمة في وعيها ذلك كله، فلا تستغرق في أجواء الغيب المجرد، و المأساة العميقة، فقد يكون للغيب بعض الملامح في حياتهم، مما يخص الله به أولياءه ولكنهم لا يتحولون بذلك الي شخصيات غيبية، و قد يكون للمأساة بعض الدور في واقعهم، ولكنها ليست المأساة المنطلقة من



[ صفحه 21]



حالة في الذات، بل من حركة في الرسالة مما يجعلها مثيرة للاعتزاز، بدلا من أن تكون مثيرة للحزن و البكاء..

و اذا كنا نحتاج الي اثارة هذا أو ذاك، فليس ذلك من جهة كونه هدفنا بذاته، بل لنعطي الموقع بعض القداسة، و نمنح الذكري بعض العناصر المثيرة في اثارة الوعي الاسلامي ضد الذين يصنعون المأساة في الماضي كوسيلة من وسائل اثارته ضد الذين صنعوها في الحاضر، فاذا تحدثنا عن مأساة الحسين (ع) فلكي نتطلع الي النماذج الحسينية الاسلامية في واقعنا لئلا تتجدد مسألة كربلاء في الواقع السياسي الاسلامي، فيقتل الضالون و الطغاة أكثر من حسين في الساحة، و هكذا تكون اثارة المأساة جزء من خطة اسلامية سياسية تتحرك من أجل تحويل الحزن الانساني من حالة انفعالية سلبية الي حركة ثورية ايجابية تفتح القلب علي الحاضر أكثر من فتحه علي الماضي ليكون الماضي منطلقا للدرس بدلا من أن يكون ساحة للاستغراق علي هدي الآية الكريمة في قوله تعالي: «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون» (2 / 134).


پاورقي

[1] محمد باقر الصدر، دور الأئمة في الحياة الاسلامية (نقلا عن دائرة المعارف الاسلامية الشيعية) ص / 95 - 94.

[2] محمد باقر الصدر، دور الأئمة في الحياة الاسلامية (نقلا عن دائرة المعارف الاسلامية الشيعية) ص / 95 - 94.