بازگشت

من الملامح البارزة في شخصية الامام الكاظم


و الآن ما هي الملامح البارزة لشخصية الامام الكاظم في الطابع العام لحياته، فيما يمكن أن يكون أساسا للشخصية الرسالية في الخصائص المتصلة بالعمق الداخلي للمضمون الروحي الذي تتأكد فيه الصفة الاسلامية الايمانية الشمولية في الاخلاص لله، و المحبة له في الحالة العفوية المنفتحة علي كل معاني العبودية الكامنه في سر وجود الذات الانسانية أمام الألوهية الرحيمة القادرة فيما توحي به كلمة اسلام الوجه لله التي يعيشها الانسان في كل وجوده ليجعل من حياته كلها حركة في طريق الله في أجواء الحب لله و الخوف منه و هذا ما كان يعيشه الأئمة من أهل البيت في الجو العبادي المميز الذي كان يتمثل في ابتهالاتهم الخاشعة الخاضعة في الأدعية المعبرة عن كل ما يعيش في قلوبهم من انفتاح علي الله بكل كياناتهم في نطاق متحرك من



[ صفحه 22]



الروحانية الصافية المليئة بالشعور الفياض بالطهارة الروحية في ذوبان الذات في احساسها بوجودها الفقير في كل شي ء الي الله.

و اذا لاحظنا النهج الايماني العرفاني في سلوك أهل البيت (ع) و أدعيتهم في معانيها التي لا تغرق في تعقيد الفلسفات العرفانية الواردة الي التفكير الاسلامي من خلال قواعد التفكير لدي الآخرين، فاننا نري فيها انسجاما مع النهج القرآني في الحديث عن الله و عن صفاته و عن نعمه و عن آفاق عظمته، فلا تشعر و أنت تقرأها بأي جو غريب عن تفاصيل الجو القرآني، بل تري فيها حركة قرآنية علي مستوي المفاهيم و المشاعر و التطلعات.

و لن تجد في الاستغراق في المضمون العبادي علي مستوي الفكر و السلوك أي نوع من الانفصال عن الحياة في قضاياها و أوضاعها المسؤولة بل تجد - بدلا من ذلك - استغراقا في المسؤولية الواسعة التي يفرضها الموقع القيادي الذي يقفون فيه، و لذلك فانك، تجد حياة الأئمة مليئة بالنشاط العلمي و الاجتماعي، بالاضافة الي النشاط العبادي الذي كان يمثل الحالة الروحية المتطلبة الي الله في شوق و لهفة و حب كبير، مما يجعل التفرغ لعبادة الله مطلبا روحيا يبتهل الي الله من أجل التوفيق اليه، لا محاولة للتخلص من المسؤوليات الأخري، فهي نوع من العبادة المتمثل في التعبير عن عمق الحب لله في خشوعه بين يديه، و ابتهالاته في رحاب قدسه و رضوانه، و هذا ما نستوحيه مما روي عنه في السجن في قوله: (اللهم، اني طالما كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، و قد استجبت مني فلك الحمد) [1] .

انه التعبير عن الحب لله، أكثر مما هو التعبير عن ارادة الخلاص من المسؤولية فلم يكن شغله الذي ينطلق فيه مشكلة له، بل كان التفرغ لعبادة الله شوقا شعوريا لروحيته.



[ صفحه 23]



و هكذا رأينا كيف حول الامام الكاظم (ع) اقامته في السجن الي فرصة للعبادة المتواصلة التي يعيش فيها الفرح الروحي مع الله، كما هي حالة أولياء الله الذين يشغلهم حب الله عن التفكير في الآلام الصغيرة، فقد ورد، في تاريخ أبي الفداء عن شقيقة السندي بن شاهك، حينما سجن الامام في بيت أخيها، في حديثها عن عبادة الامام في السجن «أنه اذا صلي العتمة حمدالله و مجده و دعاه الي أن يزول الليل، ثم يقوم، و يصلي حتي يطلع الصبح، فيصلي الصبح، ثم يذكر الله حتي تطلع الشمس، ثم يقعد الي ارتفاع الضحي، ثم يرقد و يستيقظ قبل الزوال، ثم يصلي ما بين المغرب و العتمة، فكان هذا دأبة الي أن مات [2] .

و هذا ما يجب أن نستوحيه للمسلمين الذين تفرض عليهم الظروف الصعبة دخول سجون الكافرين و الطاغين، و يتعرضون فيها للكثير من الضغوطات القاسية مما يمارسه السجانون عليهم، ليسقطوا مواقفهم، و يهزموا روحياتهم، و يقودوهم الي بعض الأوضاع السلبية فيما يلوحون به من الوعد بالتخفيف عنهم في حالات الألم الشديد، فان بامكانهم أن يستلهموا روحانية الايمان بالله، في الانفتاح علي التفكير به و الخشوع له، و الدعاء له في كل مهماتهم، لترتفع معنوياتهم من خلال ذلك، و ينفصلوا عن الجو الخانق الي الجو الرحب الواسع، في آفاق الله، في رحمته و لطفه و رضوانه.


پاورقي

[1] وفيات الأعيان (ج 4 ص 339) (نقلا عن حياة الامام موسي للقرشي).

[2] تاريخ أبي الفداء ج 3 ص 13 (نقلا عن حياة الامام للقرشي).