بازگشت

كيف نستوحي هذا السلوك في حياتنا


و قد نحتاج الي استلهام هذا السلوك العبادي الذي كان يعيشه الأئمة الهداة من أهل البيت، و لا سيما فيما قرأناه من عبادة الامام موسي الكاظم (ع) و ذلك فيما يجب أن تعيشه التربية الاسلامية في اعداد العلماء و الدعاة الي الله، بالتأكيد علي الجانب الروحي في حركة الجو العبادي الذي يرتفع بالانسان المؤمن الي آفاق الروحانية العليا التي تجعل العلاقة بالله هي



[ صفحه 24]



الغاية العظيمة التي يتحرك نحوها فيما يريده لنفسه من حركة و حياة في الاتجاه العملي الذي يعد نفسه له في القيام بمهمة خدمة الاسلام في الدعوة اليه، و الجهاد في سبيله، و العمل الدائب من أجل اعادة الاسلام الي الحياة علي مستوي الحكم و الشريعة و المنهج و الحركة الشاملة فان ذلك يحتاج الي طاقة روحية كبيرة، فيما هي روحانية الفكر و الممارسة انطلاقا من التحديات الكثيرة التي تواجهه، علي مستوي الترغيب أو الترهيب في المغريات التي تقدم اليه، و في التهاويل التي تدور في آفاقه، من أجل اسقاط موقفه للانحراف به عن الخط، أو لارباك الواقع الاسلامي من خلاله.. فان العلم لا يكفي في صيانة صاحبه، اذا لم يرافقه ايمان يتعمق في مواقع الروح العميقة و في وعي الانسان، كما أن طبيعة الانتماء الي الحركة الاسلامية لا يكفي في اخلاص الحركيين بدون تقوي ترتكز علي الفكر و العمل، لأن الحركية قد تتحول الي نوع من المهنة و العادة.

ان الطاقة الروحية هي روح الحركة، و سر الشخصية، و شرط الثبات فلابد أن نتحرك فيها من موقع الفكرة في آيات الله، و كلمات رسوله و من موقع القدوة في سيرة النبي (ص) و أهل بيته و الصالحين من عباده.

و قد نستطيع أن نجد بعض الملامح الحية المتحركة في شخصية الامام الكاظم (ع) في نشاطه العلمي الذي يرصد الحاجة العامة من خلال القضايا المطروحة في المجتمع الاسلامي، فيما نقله لنا التاريخ المأثور في سيرته من ذلك.

و قد يكون من المؤسف أن لا نجد هناك كتابا وثائقيا يشتمل علي مجموع ما صدر عن الامام الكاظم (ع) من أفكاره و وصاياه و طريقته في ادارة الحركة العلمية في تلك المرحلة «فيما عدا الجهد المشكور للشيخ العطاردي في مسند الامام الكاظم».. كما اننا لا نجد هناك عناية كبيرة بدراسة الأسس النقدية في التراث المنقول عنه، ليصار الي اعتباره في مستوي النص



[ صفحه 25]



الاسلامي الذي ينقل الينا الحقيقة الاسلامية الناصعة الصادرة عن مصادر الوحي المعصومة.

و قد نقل عنه الرواة من الفقه و التفسير و المواعظ و الوصايا الكثير مما يوحي بالنشاط الكبير في اغناء المجتمع الاسلامي بالفكر و التربية، و التفقه، كوسيلة من وسائل الارتفاع بالمستوي الفكري الذي يركز الوجود الاسلامي علي أساس ثابت انطلاقا من الخط الاسلامي الذي يحمل العلماء مسؤولية نشر العلم لا سيما في حالات سيطرة الانحراف و البدع علي المجتمع، و ذلك بنفس القوة التي حمل فيها الجهال مسؤولية التعلم.. و هكذا نجد المؤرخين يتحدثون عن سعة نشاطه العلمي فقد جاء في المناقب أنه أخذ عنه العلماء ما لا يحصي كثرة و ذكر عنه الخطيب في تاريخ بغداد و السمعاني في الرسالة القوامية و أبوصالح أحمد المؤذن في الأربعين و أبوعبدالله بن بطة في الابانة و الثعلبي في الكشف و البيان، و كان أحمد بن حنبل اذا روي عنه قال: حدثني موسي بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: رسول الله (ص) ثم قال أحمد: و هذا اسناد لو قري ء علي المجنون لأفاق [1] .

و ذكر السيد ابن طاوس في الأنوار البهية، أن أصحاب الامام و خواصه كانوا يحضرون مجلسه و معهم في أكمامهم ألواح أبنوس لطاف و اميال فاذا نطق بكلمة أو أفتي في نازلة بادروا الي تسجيل ذلك [2] .


پاورقي

[1] أعيان الشيعة ج 2 ص 9 طبعة دار التعارف.

[2] الأنوار البهية ص 91 / (نقلا عن حياة الامام للقرشي) ص 2 ج 1.