بازگشت

الامام يتحدث عن العقل في وصية طويلة


و تنقل لنا سيرته المباركة بأنه كان يتخذ أسلوب الوصايا التي قد تتخذ موضوعات متنوعة، و قد تتخذ موضوعا واحدا متنوع الأبعاد و هذا ما نراه فيما



[ صفحه 26]



روي من وصاياه لتلميذه هشام بن الحكم الذي كان تلميذا لأبيه، و لعل أهمها وصيته الطويلة التي أدار فيها الحديث حول العقل من خلال النهج القرآني الذي أكد علي دور العقل كحجة لله علي عباده فيما هي مسألة الايمان و الكفر و الضلال و الهدي، و الاستقامة و الانحراف، و أثار الحديث عن السلبيات و الايجابيات في سلوك الانسان من خلال تحريك العقل أو تجميده، و دخل في التفاصيل العملية المتصلة بالتفاصيل المتنوعة لأوضاع الانسان الفردية و الاجتماعية من خلال ذلك، فلم يعد العقل لديه مجرد قوة تتصل بالكليات العامة في حياته، بل تحولت الي قاعدة للوعي التفصيلي الذي يحدد للانسان مواقع الحكمة في حياته التي يضع فيها الأشياء في مواضعها لتكون المسألة عنده أن يدرس كل الأمور التي تواجهه بالطريقة الواعية التي تحسب كل شي ء بحسابات دقيقة تحيط بها من كل جهة ثم لا يكتفي بالنتائج الفكرية فيما هو التصور، بل لا بد أن يتحرك في خط النتائج العملية، فيما هي الممارسة، و قد تحدث في هذا الاتجاه عن العلم في مصاحبته للعقل، و عن الكثرة من حيث ابتعادها في أحكامها و ممارساتها عن العقل، فلا تعتبر قيمة ايجابية لأن الكم لا يحمل معني للقيمة اذا لم يرتبط بالنوع، و عن القلة من حيث أن الغالب فيها الانطلاق من عمق الفكر و حركة الوعي.. و انطلقت الوصية لتربط الخوف من الله و العمل للآخرة و التوازن في السلوك الاجتماعي، و الاتزان في الكلام، بالعقل.. مما يجعل من هذه الوصية وثيقة اسلامية للمنهج القرآني في تقييم العقل و في مسؤولية تحريكه، و في الأفق الواسع الذي يتحرك الانسان من خلاله في عالم الفكر و العمل، الأمر الذي يجعل المنهج الأخلاقي يتداخل مع المنهج العقلي. و قد يكون هذا التأكيد علي العقل، في هذه الوصية، و في غيرها من الوصايا و الأحاديث التي جاءت في حديث أئمة أهل البيت (ع) للانطلاق بالخط الاسلامي في اتجاه اعتبار العقل أساسا للقاعدة الفكرية الاسلامية فيما يأخذ به المسلم أو فيما يدعه، ليملك من خلاله الميزان الذي يزن به الأمور فلا يقع في قبضة الخرافة، و لا يتحرك في أجواء الوهم و الخيال.

و قد يكون الحديث مع هشام بن الحكم وسيلة من وسائل تقوية المنهج



[ صفحه 27]



العقلي الذي كان يتحرك فيه هشام في حواره العقلي الذي كان يحركه في ساحة الصراع في جوانب العقيدة المتنوعة.

و هذا هو ما تحتاج الحركة الاسلامية اليه في منهجها الفكري و خطها العملي لتعرف كيف تدخل في عملية تنقية للتراث المنقول اليها من المصادر المتنوعة لتحاكم كل مفرداتها بمنطق العقل المنفتح علي الوحي في آفاقه الواسعة، لأن الامتداد في المنهج الانفعالي العاطفي السطحي قد يدخلنا في كهوف الضلال من حيث نريد الانفتاح علي الهدي، و قد يدفع بنا للابتعاد عن خط الاستقامه في مناقشة قضايا العقيدة أو الشريعة التي قد يخضع فيها الجو العام، للخوف من تحريك بعض الأفكار المطروحة في ذهنه العام، علي أساس الخوف من غضبة العوام الذين قد يفقدون ثقتهم بالأشخاص الذين يثيرون أفكارا نقدية ازاء بعض الأمور المتصلة بالعاطفة العامة تجاه بعض قضايا التاريخ أو قضايا العقيدة في بعض تفاصيلها، أو قضايا الشريعة في بعض أحكامها.

ان التأكيد علي العقل المنفتح علي الوحي يفرض علينا اعادة النظر في الكثير من أساليب الاستدلال لتجديدها أو لتجديد بعض الأفكار الناشئة منها، حتي نبقي في مستوي التحدي الكبير الذي يفرضه انفتاح الحركة الثقافية في العالم الاسلامي و غيره علي كل قضايا الاسلام في العقيدة و الشريعة و المنهج، و علي كل خصوصيات المنهج الفكري الشيعي في الأمور التي يختص بها الشيعة، الأمر الذي يفرض نشاطا غير عادي من قبل المفكرين الاسلاميين في ادارة الحوار المفتوح حول هذه الأمور في الداخل، و مواجهة الأفكار المضادة في الخارج.