بازگشت

المعاجز و شقيق البلخي


ذكر ابن الجوزي في كتابه (التذكرة) عن شقيق البلخي، قال: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة، فنزلت القادسية [1] و اذا أنا بشاب حسن الوجه شديد السمرة عليه ثوب من صوف مشتمل بشملة و في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا عن الناس، فقلت في نفسي: أن هذا الفتي من الصوفية يريد أن يكون كلا علي الناس في طريقهم، فوالله لأمضين اليه و لأوبخنه. قال: فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق، (اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم) [2] ، قال: فقلت في نفسي: هذا عبد صالح قد نطق باسمي و تكلم بما في خاطري، لألحقنه و لأسألنه أن يحلني، قال: فغاب عني.

و لما نزلنا واقصة [3] اذا به واقف يصلي و أعضاؤه تضطرب و دموعه تتحادر، فقلت: أمضي اليه و أعتذر منه. قال: فأوجز في صلاته، و لما دنوت منه ناداني: يا



[ صفحه 29]



شقيق، اتل: (و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي) [4] ، قال: فقلت في نفسي: هذا من الأبدال [5] ، لقد تكلم بسري مرتين.

قال: و لما نزلنا زبالة [6] و اذا به قائم علي البئر و بيده ركوة [7] يريد أن يستقي الماء، فبينا هو كذلك اذ سقطت الركوة من يده في البئر، فرفع طرفه الي السماء و قال:



أنت ربي اذا ظمئت الي الما

ء و قوتي اذا اشتهيت الطعاما



يا سيدي، لا تحرمنيها، مالي سواها.

قال شقيق: فوالله، فما استتم كلامه حتي رأيت ماء البئر قد ارتفع، فمد عليه السلام يده الي الركوة و تناولها ثم ملأها ماء و توضأ و صلي أربع ركعات، ثم مال الي كثيب رمل هناك فجعل يقبض بيده من ذلك الرمل و يطرحه في الركوة و يشرب، فدنوت منه و قلت له: أطعمني من فضل ما رزقك و أنعم عليك الله، فقال: «يا شقيق، لم تزل نعم الله علينا ظاهرة و باطنة، فأحسن ظنك بربك». ثم ناولني الركوة فشربت منها فاذا هو سويق و سكر ما شربت - و الله - ألذ منه طعما و لا أطيب ريحا، فشبعت و رويت و أقمت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا.

قال: ثم لم أره حتي دخلت مكة، فرأيته ليلة من الليالي الي جانب قبة



[ صفحه 30]



الشراب و قد ذهب من الليل شطره، و هو واقف يصلي بخشوع و خضوع و بكاء و أنين، فلم يزل كذلك حتي ذهب الليل و طلع الفجر، ثم صلي صلاة الفجر و جلس في مصلاه يسبح الله و يقدسه، ثم قام و طاف بالبيت سبعا، و لما فرغ من طوافه و خرج من البيت تبعته و اذا له حاشية و خدم و غلمان و هو علي خلاف ما رأيته في الطريق، و قد تكاثر عليه الناس يسلمون عليه و يقبلون يديه و يتبركون به، فقلت لبعضهم: من هذا؟ فقال لي: هذا الامام موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال، فقلت في نفسي: و الله لا تكون هذه العجائب و هذه الفضائل الا لمثل هذا السيد [8] .

و لله در من نظم هذه الفضائل بقوله:



سل شقيق البلخي عنه و ما عا

ين منه و ما الذي كان أبصر



قال لما حججت عاينت شخصا

شاحب اللون ناحل الجسم أسمر



سائرا وحده و ليس له زا

د فما زلت دائبا أتفكر



و توهمت أنه يسأل النا

س و لم أدر أنه الحج الأكبر



ثم عاينته و نحن نزول

دون فيد [9] علي الكثيب الأحمر



يضع الرمل في الاناء و يحسو

ه فناديته و عقلي محير



اسقني شربة فناولني منه

فعاينته سويقا و سكر



فسألت الحجيج من يك هذا

قيل هذا الامام موسي بن جعفر [10] .



[ صفحه 31]



أقول: هذا الذي ما زال ينقل من حبس الي حبس، و من سجن الي سجن:



موسي بن جعفر سر الله و العلم ال

مبين في الدين مفروضا و مسنونا



باب الحوائج عندالله و السبب ال

موصول بالله غوث المستغيثينا



يزيدهم معجزات كل آونة

و نائلا و له ظلما يزيدونا [11] .




پاورقي

[1] القادسية: هي منطقة بينها و بين الكوفة (15 فرسخا)، و فيها كان يوم القادسية المشهور الذي كان بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص و الفرس في أيام عمر بن الخطاب، و كان الفتح فيها للمسلمين. معجم البلدان 4: 331 - 332 / 9350.

[2] الحجرات: 12.

[3] واقصة: منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو مكة و قبل العقبة. معجم البلدان 5: 407 / 12369.

[4] طه: 82.

[5] الأبدال: قوم يقيم لهم الله عزوجل الأرض، و هم سبعون، و قيل: أربعون، يرأسهم الحجة من آل محمد في كل زمان. «منه رحمه الله». انظر: الصحاح 4: 1632 - بدل. لسان العرب 1: 344 - بدل. القاموس المحيط: 1247 - بدل.

[6] زبالة - بضم أوله - منزل معروف بطريق مكة من الكوفة، و هي قرية عامرة بين واقصة و الثعلبية. و يوم زبالة من أيام العرب، قالوا: سميت زبالة بزبلها الماء، أي بضبطها له و أخذها منه. معجم البلدان 3: 145 - 146 / 5928.

[7] الركوة: اناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، و هي الدلو الصغيرة. لسان العرب 5: 306. المصباح المنير 1: 238 - ركا.

[8] تذكرة الخواص: 312 - 313، باختلاف يسير.

[9] فيد: موضع بين مكة و العراق لمكة أقرب. «منه رحمه الله». انظر: معجم البلدان 4: 320 / 9315.

[10] انظر: مناقب آل أبي طالب 4: 303، كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 4 - 5. و فيه أن الأبيات من قصيدة لبعض المتقدمين.

[11] المجالس السنية 2: 550، و الأبيات من قصيدة للسيد صالح القزويني رحمه الله.