بازگشت

الامام و الهادي


لما ظفر موسي الهادي بالحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام و قتله بفخ [1] و قتل أكثر أصحابه و أسر جماعة منهم، و لما حمل اليه رأس الحسين و الأسري فمثلوا بين يديه فتمثل قائلا:



بني عمنا لا تذكروا [2] الشعر بعدما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا



فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله

فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا



ولكن حكم السيف فينا مسلط

فنرضي اذا ما أصبح السيف راضيا



[ صفحه 38]



و قد ساءني ما جرت الحرب بيننا

بني عمنا لو كان أمرا مدانيا



فان قلتم انا ظلمنا فلم نكن

ظلمنا ولكن قد أسأنا التقاضيا



ثم جعل يوبخ الأسري واحدا واحدا و يأمر بقتله فيسحب و يقتل، حتي قتل جماعة من ولد اميرالمؤمنين عليه السلام و من الطالبيين، و ذكر موسي بن جعفر عليه السلام فنال: منه، و قال: و الله، ما خرج الحسين الا عن أمره، و لا اتبع الا محبته؛ لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله ان أبقيت عليه.

فقال له أبويوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي - و كان جريئا عليه -: يا اميرالمؤمنين، أقول أم أسكت؟ فقال: قتلني الله ان عفوت عن موسي بن جعفر، و لولا ما سمعت من المهدي في ما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه و علمه و فضله، و ما بلغني عن السفاح فيه من تقريظه و تفضيله، لنبشت قبره و أحرقته بالنار احراقا.

فقال أبويوسف: نساؤه طوالق، و عتق جميع ما يملك من الرقيق، و تصدق بجميع ما يملك من المال، و حبس جميع دوابه، و عليه المشي الي بيت الله الحرام ان كان مذهب موسي بن جعفر الخروج، لا يذهب اليه و لا مذهب أحد من ولده، و لا ينبغي أن يكون هذا منهم. ثم ذكر الزيدية و ما ينتحلون، فقال: و ما كان بقي من الزيدية الا هذه العصابة الذين كانوا قد خرجوا مع حسين، و قد ظفر اميرالمؤمنين بهم، و لم يزل يرفق به حتي سكن غضبه [3] .

قال أرباب التاريخ: و كتب علي بن يقطين الي أبي الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام بصورة الأمر، فورد الكتاب عليه، فلما أصبح أحضر أهل بيته و شيعته فأطلعهم



[ صفحه 39]



أبوالحسن عليه السلام علي ما ورد عليه من الخبر، و قال لهم: «ما تشيرون في هذا؟» فقالوا: نشير عليك - أصلحك الله - و علينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار و تغيب شخصك دونه، فانه لا يؤمن شره و عاديته و غشمه، سيما و قد توعدك و ايانا معك. قال: فتبسم موسي عليه السلام ثم تمثل ببيت كعب بن مالك:



«زعمت سخينة [4] أن ستغلب ربها

فليغلبن مغالب الغلاب»



ثم أقبل علي من حضره من مواليه و أهل بيته فقال: «ليفرخ [5] عليكم روعكم، أنه لا يرد أول كتاب من العراق الا بموت موسي الهادي»، فقالوا: و ما ذاك أصلحك الله؟ فقال: «و حرمة هذا القبر - و أشار الي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله - مات في يومه هذا، و الله انه لحق مثلما أنكم تنطقون».

«أحدثكم: بينما أنا جالس في مصلاي - بعد فراغي من ورودي - و قد هومت عيناي اذ سنح لي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله في منامي، فشكوت اليه موسي بن المهدي و ذكرت ما جري منه في أهل بيته و أنا مشفق من غوائله، فقال لي: لتطب نفسك يا موسي، ما جعل الله لموسي عليك سبيلا، فبينما هو يحدثني اذ أخذ بيدي و قال لي: قد أهلك الله آنفا عدوك، فليحسن لله شكرك».

ثم استقبل أبوالحسن عليه السلام القبلة و رفع يديه الي السماء يدعو، و كان خاصته و أهل بيته و شيعته يحضرون مجلسه و معهم في أكمامهم ألواح الآبنوس [6] لطاف و أميال،



[ صفحه 40]



فاذا نطق أبوالحسن عليه السلام بكلمة أو أفتي في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك، فسمعناه و هو يقول في دعائه: «شكرا لله جلت عظمته، الهي كم من عدو انتضي علي سيف عداوته...» الي آخره [7] .

قال من حضر: ثم أقبل علينا مولانا أبوالحسن عليه السلام و قال: «سمعت أبي عليه السلام يحدث عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: اعترفوا بنعمة الله عليكم و توبوا الي الله من جميع ذنوبكم، فان الله يحب الشاكرين من عباده».

قال: و تفرق القوم و ما اجتمعوا بعدها الا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسي بن المهدي و البيعة لهارون الرشيد [8] .

و في ذلك يقول بعض من حضر موسي بن جعفر من أهل بيته يصف تلك الدعوة و سرعة اجابتها [9] .



و سارية لم تسر في الأرض تبتغي

محلا و لم يقطع بها البيد قاطع



تمر وراء الليل و الليل ضارب

بجثمانه فيه سمير و هاجع



تفتح أبواب السماء و دونها

اذا قرع الأبواب منهن قارع



اذا أوردت لم يردد الله وفدها

علي أهلها والله راء و سامع



و اني لأرجوا الله حتي كأنما

أري بجميل الظن ما الله صانع [10]



أقول: للأئمة الأطهار جاه عند الله كبير و فضل عظيم، و كل دعواتهم مستجابة، لا سيما و هم المظلومون، و هذه الكتب زاخرة بقضاياهم و دعواتهم المستجابة عند



[ صفحه 41]



الله، هاك و انظر الي دعوات الحسين عليه السلام يوم عاشوراء علي أهل الكوفة، [استجابها] [11] الله سواء كانت دعواته عامة أو خاصة، و دعاؤه علي عمر بن سعد مأثور في الكتب و المقاتل، و قد استجابه الله تعالي، و ذلك حين برز ولده علي بن الحسين الأكبر الي الحرب، فصار الحسين يهرول خلفه، ثم وقف علي مرتفع من الأرض و دعا علي أهل الكوفة عامة و علي قائد جيشهم عمر بن سعد خاصة، مناديا: «يابن سعد، قطعت رحمي، قطع الله رحمك، و سلط الله عليك من يذبحك علي فراشك» [12] الي آخره.


پاورقي

[1] فخ: موضع قرب مكة المكرمة كانت فيه الواقعة الشهيرة بوقعة فخ، كانت بين الحسين بن علي الحسني و بين جيوش موسي الهادي، و لم تكن واقعة أعظم علي أهل البيت بعد واقعة الطف من واقعة فخ. «منه رحمه الله». انظر: معجم البلدان 4: 269 / 9050.

[2] في المصدر: (تنطقوا) بدل (تذكروا).

[3] انظر: مهج الدعوات: 218 - 219. بحارالأنوار 48: 150 - 151 / 25.

[4] سخينة: لقب لقريش، و أصله اسم طعام كانت تأكله قريش و تعير به. «منه رحمه الله». لسان العرب 6: 207 - سخن.

[5] فرخ الروع و أفرخ: ذهب الفزغ، يقال: ليفرخ روعك أي ليخرج عنك فزعك كما يخرج الفرخ عن البيضة. لسان العرب 10: 213 - فرخ.

[6] الآبنوس: خشب معروف، و هو معرب و يجلب من الهند و اسمه بالعربية تأتم. المصباح المنير: 2- الابن.

[7] دعاؤه عليه السلام هذا يسمي بدعاء الجوشن الصغير، ذكره علماؤنا في كتب المزارات و الأدعية، و ذكره الكفعمي في حاشية (البلد الأمين)، و ذكره السيد ابن طاووس في (مهج الدعوات). «منه رحمه الله».

[8] انظر: عيون أخبار الرضا 1: 65. مهج الدعوات: 218 - 219. بحارالأنوار 48: 150 - 153 / 25.

[9] ذكرنا هذه الدعوة و استجابتها في كتابنا (الدعوات المستجابة) المخطوط. «منه رحمه الله».

[10] عيون أخبار الرضا 1: 65 - 66. العقد الفريد 3: 227.

[11] في الأصل: (استجابه)، و ما أثبتناه للسياق.

[12] مقتل الحسين (الخوارزمي) 2: 30.