بازگشت

الامام و الرشيد


ذكر أرباب السير: أن الرشيد سأل الامام موسي بن جعفر يوما فقال له: كيف قلتم: نحن ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله و أنتم بنو علي عليه السلام، و انما ينسب الرجل الي جده لأبيه دون جده لأمه؟

فقال عليه السلام: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين - و زكريا و يحيي و عيسي) [1] ، و ليس لعيسي أب، و انما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه، و كذلك ألحقنا بذرية النبي صلي الله عليه و آله من قبل أمنا فاطمة عليهاالسلام.

و زيادة أخري يا أميرالمؤمنين، قال الله عزوجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم



[ صفحه 42]



ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [2] ، و لم يدع صلوات الله عليه - عند مباهلة النصاري - غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و هم الأبناء» [3] .

و ذكر المدائني قال: حج الرشيد تلك السنة، و لما صار الي المدينة فاجتمع بابي ابراهيم موسي بن جعفر عند قبر رسول الله صلي الله عليه وآله، فصاح هارون: السلام عليك يابن العم، السلام عليك يا رسول الله، افتخارا علي من حوله من القواد و الوجوه، فلما سمع ذلك موسي بن جعفر عليه السلام دنا من قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و قال: «السلام عليك يا أبه». قال: فتغير وجه هارون ثم قال: و الله يا أباالحسن، هذا هو الفخر و الشرف حقا [4] .

قال أرباب التاريخ: و صار الامام موسي بن جعفر الي المسجد علي عادته، فأقام الرشيد الي الليل، فقام الي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول الله، اني أعتذر اليك من شي ء أريد أن أفعله، أريد أن أحبس موسي بن جعفر، فانه يريد التشتيت بين أمتك و سفك دمائها، ثم أمر به فأخذ من المسجد و قد قطعوا عليه صلاته، فأدخل عليه، فقيده، و استدعي قبتين فجعله في احداهما علي بغل، و جعل القبة الأخري علي بغل آخر، و القبتان مستورتان، و مع كل واحدة منهما خيل، فافترقت الخيل، فمضي بعضها مع احدي القبتين علي طريق البصرة، والأخري علي طريق الكوفة - و انما فعل الرشيد ذلك ليعمي علي الناس الأمر -



[ صفحه 43]



و أمر من وكل علي أبي الحسن أن يسلمه الي عيسي بن جعفر بن المنصور و كان علي البصرة حينئذ، فسلم اليه و حبس عنده سنة كاملة [5] .

قال أرباب التاريخ: و كتب اليه الرشيد أن يقضي عليه، فاستدعي عيسي بن جعفر بعض خاصته و ثقاته فاستشارهم في ما كتب اليه الرشيد، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك و الاستعفاء منه، فكتب الي الرشيد يقول له: لقد طال أمر موسي بن جعفر و مقامه في حبسي، و قد اختبرت حاله و وضعت عليه العيون طول هذه المدة، فما وجدته يفتر عن العبادة، و وضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه، فما دعا عليك و لا علي و لا ذكرنا بسوء، و ما يدعو الا لنفسه بالمغفرة و الرحمة، فان أنت أنفذت الي من يتسلمه مني و الا خليت سبيله، فاني متحرج في حبسه.

و روي أن بعض عيون عيسي بن جعفر رفع اليه أنه يسمعه كثيرا يقول في دعائه و هو محبوس عنده: «اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم و قد فعلت، فلك الحمد و لك الشكر».

قال: فوجه الرشيد من تسلمه من عيسي بن جعفر، و صيره الي واسط فسلمه الي الفضل بن الربيع فبقي عنده مدة طويلة، فأراده الرشيد علي شي ء من أمره فأبي، فكتب اليه باشخاصه الي بغداد و بتسليمه الي الفضل بن يحيي، فأشخصه الي بغداد و تسلمه منه الفضل بن يحيي و جعله في بعض حجر دوره و وضع عليه الرصد، و كان عليه السلام مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله بالصلاة و القراءة و الأوراد، و يصوم النهار في كثير الأيام، و لا يصرف وجهه عن المحراب.



[ صفحه 44]



قال أهل السير: فوسع عليه الفضل بن يحيي و أكرمه، فاتصل ذلك بالرشيد و هو في الرقة [6] فكتب اليه ينكر عليه و سعته علي موسي بن جعفر عليه السلام و يأمره بقتله، فتوقف عن ذلك و لم يقدم عليه، فاغتاظ الرشيد لذلك، و دعا مسرور الخادم فقال له: اخرج علي البريد في هذا الوقت الي بغداد و ادخل من ساعتك علي موسي بن جعفر، فان وجدته في دعة و رفاهية فأوصل هذا الكتاب الي عباس بن محمد و مره بامتثال ما فيه، و سلم اليه كتابا آخر الي السندي بن شاهك يأمره فيه بطاعة العباس بن محمد.

قال: فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريد، ثم دخل علي موسي بن جعفر عليه السلام فوجده علي ما بلغ الرشيد، فمضي من ساعته الي العباس ابن محمد و السندي بن شاهك فأوصل الكتابين اليهما، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض ركضا الي الفضل بن يحيي، فركب معه و خرج مشدوها حتي دخل علي العباس بن محمد، فدعا العباس بسياط و عقابين [7] ، و أمر بالفضل فجرد و ضربه السندي بين يديه مائة سوط، و خرج متغير اللون خلاف ما دخل، و جعل يسلم علي الناس يمينا و شمالا.

و كتب مسرور بالخبر الي الرشيد، فأمر بتسليم موسي عليه السلام الي السندي بن شاهك، و جلس الرشيد مجلسا حافلا و قال: أيها الناس، ان الفضل بن يحيي قد عصاني و خالف طاعتي، و رأيت أن ألعنه فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت.



[ صفحه 45]



قال: و بلغ يحيي بن خالد الخبر فركب الي الرشيد، فدخل عليه من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتي جاءه من خلفه و هو لا يشعر به، ثم قال له: التفت يا أميرالمؤمنين الي، فأصغي اليه فزعا، فقال: ان الفضل حدث، و أنا أكفيك ما تريد.

قال: فانطلق وجهه و سر، و أقبل علي الناس فقال: ان الفضل كان قد عصاني و قد تاب فتولوه، فقالوا: نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت و قد توليناه.

قال: ثم خرج يحيي بن خالد علي البريد حتي وافي بغداد، فماج الناس و أرجفوا بكل شي ء، و أظهر يحيي أنه جاء لتعديل السواد و النظر في أمور العمال، و تشاغل ببعض ذلك أياما، ثم دعا السندي بن شاهك فأمره فيه بأمره فامتثله.

و كان الذي تولي به السندي قتله عليه السلام سما جعله في طعام قدمه اليه، و يقال: انه جعله في رطب فأكل منه فأحس بالسم، و لبث ثلاثا بعده موعوكا منه، ثم مات في اليوم الثالث.

و لما مات موسي عليه السلام أدخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء و وجوه أهل بغداد و فيهم الهيثم بن عدي و غيره، فنظروا اليه لا أثر به من جراح و لا خنق، و أشهدهم أنه مات حتف أنفه، فشهدوا علي ذلك. و أخرج جنازته يحملها أربعة من الحمالين، و وضع علي جسر بغداد و نودي عليه: هذا موسي بن جعفر قد مات فانظروا اليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت [8] [9] .



[ صفحه 46]



ملقي علي جسر الرصافة نعشه

فيه الملائك أحدقوا تعظيما



و عليه روح الله أزهق روحه

و حشي كليم الله بات كليما




پاورقي

[1] الأنعام: 84 - 85.

[2] آل عمران: 61.

[3] انظر: الاختصاص (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 12: 56. الاحتجاج 2: 391. بحارالأنوار 48: 122 / 1.

[4] تذكرة الخواص: 314. و انظر: الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 234 - 235. تاريخ بغداد 13: 31. كفاية الطالب: 457.

[5] انظر: الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 239. اعلام الوري بأعلام الهدي 2: 33. كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 22. منتهي الآمال في تواريخ النبي و الآل 2: 281. الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة 239.

[6] الرقة: موضع فيه حدائق و حقول و هو منتزه الخلفاء، تقع شمال بغداد. «منه رحمه الله» انظر: معجم البلدان 3: 67 - 68 / 5564.

[7] العقابون: أناس يعاقبون المجرم. «منه رحمه الله».

[8] و السبب الذي حدا بالسندي أن ينادي عليه: هذا امام الرافضة، قيل: كان قوم يقال لهم الواقفية يزعمون أن موسي بن جعفر هو المهدي الغائب المنعوت في الكتب، و جعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم؛ فنادي هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه هو القائم لا يموت فانظروا اليه، فنظر اليه الناس ميتا. «منه رحمه الله». الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 243.

[9] انظر: الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 240 - 243. كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 2422. منتهي الآمال في تواريخ النبي و الآل 2: 282 - 284.