بازگشت

المناظرة


ذكر صاحب (الدر النظيم) في الباب التاسع من كتابه في أحوال أبي ابراهيم موسي بن جعفر عليه السلام، قال: جلس المأمون ذات يوم و عنده ندماؤه و هم يتذاكرون في فضائل أهل البيت عليهم السلام، فبيناهم كذلك اذ دخل عبدالحميد بن بكار و اشترك معهم في الحديث، فقال: يا أميرالمؤمنين، حدثني أبي - بكار - أنه دخل ذات يوم علي الخليفة هارون، فابتدره الخليفة الرشيد و قال له: يا بكار، قال: لبيك يا أميرالمؤمنين، فقال له: اني عزمت علي الحج في سنتي هذه فتنشط، قال: قلت: نعم.

ثم أخذنا في اعداد و احضار ما نحتاج اليه في الطريق، و لما حان الوقت صرنا جميعا حتي اذا دخلنا مكة و أتينا الي الطواف في البيت، فكان الرشيد يطوف وحده غير أن حجابه أمامه يشعرون الناس ليوسعون للخليفة، فبينا هو يطوف اذ صار أمامه أعرابي، فانتدب له بعض حجابه و قال له: تنح أيها الرجل، أما تري أميرالمؤمنين يطوف؟ فانتهره الأعرابي و قال: أما سمعت قوله تعالي: (سواء العاكف فيه و الباد) [1] ؟ فأمر الرشيد الحاجب بالكف عنه، فكان يطوف أمامه، حتي اذا جاء ليستلم الحجر و اذا بالأعرابي يتقدم و يلثم الحجر، ثم صار الرشيد الي المقام، و اذا بالأعرابي يصلي أمامه في المقام.



[ صفحه 48]



قال: و لما فرغ هارون من الصلاة استدعي الأعرابي، فجاءه الحاجب و قال: أجب أميرالمؤمنين، فقال: ما لي اليه حاجة فأقوم اليه، و اذا كانت الحاجة له فهو أولي بالقيام الي، فسمعه هارون فقام و هو يقول: صدق والله.

قال: فمشي اليه و سلم عليه، فرد عليه السلام، فقال هارون: أأجلس؟ فقال الأعرابي: ليس المكان لي حتي تستأذن مني بالجلوس فيه، انما هو بيت الله نصبه لعباده، فان أحببت أن تجلس فاجلس، و ان أحببت أن تنصرف فانصرف. فجلس هارون و قال: يا هذا، مثلك من يزاحم الملوك؟ قال: نعم، و في مستمع، قال: فاني مسائلك، فان عجزت عن رد سؤالي نكلت بك، فقال: سؤالك هذا سؤال متعلم أم سؤال متعنت؟ قال: بل سؤال متعلم، قال: اجلس مكان السائل من المسؤول و سل، و أنت سؤل.

فقال: أخبرني ما فرضك؟ قال: ان الفروض - رحمك الله - واحد و عليه خمس، و سبع عشرة، و أربع و ثلاثون، و أربع و تسعون، و مائة و ثلاث و خمسون علي سبع عشرة. و من اثني عشر واحد، و من أربعين واحد، و من مائتين خمسة، و من الدهر كله واحد، و واحد بواحد.

فضحك الرشيد، و قال: يا هذا، أسألك عن فرضك و أنت تعد لي الحساب؟! قال: أما علمت أن الدين كله حساب، و لو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا، ثم قرأ: (و ان كان مثقال حبة من خردل آتينا بها و كفي بنا حاسبين) [2] .

قال: فبين لي ما قلت و الا أمرت بقتلك بين الصفا و المروة، فقال الحاجب: تهبه لله و لهذا المقام؟ فضحك الأعرابي من قوله، فقال الرشيد: مم



[ صفحه 49]



ضحكت؟ قال: تعجبا! الذي يستوهب أجلا قد حضر و الذي استعجل أجلا لم يحضر، قال الرشيد: أوضح لي ما قلت.

قال: أما قولي: الفرض واحد، فدين الاسلام كله واحد، و عليه خمس صلوات، و هي سبع عشرة ركعة، و أربع و ثلاثون سجدة، و أربع و تسعون تكبيرة، و مائة و ثلاث و خمسون تسبيحة.

و أما قولي: من اثني عشر واحد، فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا.

و أما قولي: من الأربعين واحد، فمن ملك أربعين دينارا أوجب الله عليه دينارا.

و أما قولي: [من] [3] مائتين خمسة، فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم.

و أما قولي: و من الدهر كله [واحد] [4] ، فحجة الاسلام.

و أما قولي: واحد [بواحد] [5] ، فمن أهرق دما من غير حق وجب اهراق دمه، قال الله تعالي: (النفس بالنفس) [6] .

فقال الرشيد: لله درك، قال: و أعطاه بدرة [7] ، قال: فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون؟ أبالكلام أم بالمسألة؟ قال: بل بالكلام، قال: فاني أسألك عن مسألة فان أنت أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف، و ان لم تجبني أضفت الي البدرة بدرة أخري لأتصدق بها علي فقراء الحي من قومي.



[ صفحه 50]



قال: فأمر الرشيد باحضار بدرة أخري، و قال: سل عما بدا لك، فقال: أخبرني عن الخنفساء تزق أو ترضع ولدها؟ فخرد [8] هارون و قال: يا هذا، مثلك يسأل عن هذه المسألة؟! فقال الأعرابي: سمعت من سمع من رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: «من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم». و أنت امام هذه الأمة، يجب ألا تسأل عن شي ء من أمر دينك و من الفرائض الا أجبت عنها، فهل عندك لهذه المسألة جوابا؟ فقال هارون: كلا، فبين لي ما ذكرت و لك البدرتين.

فقال: ان الله لما خلق الأرض و خلق دبابات الأرض الذي من غير فرث و لا دم فخلقها من التراب و جعل رزقها و عيشها منه، أي من التراب، فاذا فارق الجنين أمه لم تزقه و لم ترضعه، و كان عيشها من التراب. فقال هارون: و الله ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة.

قال: فأخذ الأعرابي البدرتين و خرج، فتبعه بعض الناس و صار يسأل عن اسمه فقيل له: هذا موسي بن جعفر [9] .

هذا الذي نودي عليه علي جسر بغداد: هذا امام الرافضة:



أفديه محمول الجنازة لم يكن

من أهله أحد هنالك يحمل



عجبا لمن غر الملائك قد غدت

خدما له و ببابه تتوسل



تسري جنازته بذل في الملا

و يقام في النادي النداء المشكل



[ صفحه 51]




پاورقي

[1] الحج: 25.

[2] الأنبياء: 47.

[3] زيادة اقتضاها السياق.

[4] زيادة اقتضاها السياق.

[5] في الأصل: (من واحد)، و ما أثبتناه للسياق.

[6] المائدة: 45.

[7] البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف. لسان العرب 1: 341 - بدر. مجمع البحرين 3: 216 - بدر.

[8] خرد و أخرد الرجل: طال سكوته، أو قل كلامه، استحيا من ذل. المنجد: 173 - خرد. «منه رحمه الله».

[9] انظر: مناقب آل أبي طالب 4: 312 - 313. بحارالأنوار 48: 141 - 143 / 18.