بازگشت

الامام و ابن يقطين


كان بعض الحساد لعلي بن يقطين يذكره عند الرشيد أنه يوالي الامام موسي بن جعفر عليه السلام، و أنه من شيعته و ممن يدعي بامامته و يأخذ بأقواله، حتي تواتر عند الرشيد ذلك و كثرت السعاة له في أمره.

ذكر شيخنا المفيد قدس سره في (الارشاد) عن ابن سنان، قال: حمل الرشيد في بعض الأيام الي علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها، و كان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب، فأنفذ علي بن يقطين كل تلك الثياب الي موسي بن جعفر عليه السلام، و أنفذ من جملتها تلك الدراعة و أضاف اليها مالا كان أعده علي رسم له فيما يحمله اليه من خمس ماله، فلما وصل ذلك الي أبي الحسن عليه السلام قبل ذلك المال و الثياب و رد الدراعة الي علي بن يقطين و كتب اليه: احتفظ بها، و لا تخرجها عن يدك، فسيكون لك بها شأن تحتاج اليها معه.

قال: فارتاب علي بن يقطين بردها عليه و لم يدر ما سبب ذلك، و احتفظ بها، فلما كان بعد أيام تغير علي بن يقطين علي غلام له فصرفه عن خدمته، و كان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين الي أبي الحسن موسي عليه السلام و يقف علي ما يحمله اليه في كل وقت من مال و ثياب و ألطاف و غيرها، فسعي به الي الرشيد فقال: انه يقول بامامة موسي بن جعفر، و يحمل اليه خمس ماله في كل سنة، و قد حمل اليه الدراعة التي أكرمه بها أميرالمؤمنين في وقت كذا و كذا.



[ صفحه 52]



فاستشاط الرشيد لذلك و غضب غضبا شديدا، و قال: لأكشفن عن هذه الحال، فان كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه.

و أنفذ في الوقت باحضار علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال له: ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي - يا أميرالمؤمنين - عندي في سفط مختوم فيه طيب، و كلما أصبحت فتحت السفط و نظرت اليها تبركا بها، و قبلتها و رددتها الي موضعها، و كلما أمسيت صنعت مثل ذلك، فقال: أحضرها الساعة، قال: نعم يا أميرالمؤمنين. فاستدعي بعض خدمه فقال له: امض الي البيت الفلاني من داري فخذ مفتاحه من جاريتي و افتحه، ثم افتح الصندوق الفلاني فجئني بالسفط الذي في بختمه.

قال: فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوما فوضع بين يدي الرشيد، فأمر بكسر ختمه و فتحه، فلما فتح و نظر الرشيد الي الدراعة فيه بحالها مطوية مدفونة في الطيب سكن غضبه، ثم قال لعلي بن يقطين: ارددها الي مكانها و انصرف راشدا، فلن أصدق عليك بعدها ساعيا، و أمر أن يتبع بجائزة سنية، و أمر بضرب الساعي ألف سوط، فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك.

و يروي عن محمد بن الفضل، قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء، أهو من الأصابع الي الكعبين، أم بالعكس؟ فكتب علي بن يقطين الي أبي الحسن موسي عليه السلام: جعلت فداك، ان أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فان رأيت أن تكتب لي بخطك ما يكون عليه من عملي فعلت ان شاء الله.

فكتب اليه أبوالحسن عليه السلام: «فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، و الذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا، و تستنشق ثلاثا، و تغسل وجهك ثلاثا، و تخلل شعر لحيتك، و تمسح رأسك، و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما، و تغسل رجليك الي الكعبين ثلاثا، و لا تخالف ذلك الي غيره».



[ صفحه 53]



فلما وصل الكتاب الي علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما أجمعت العصابة علي خلافه، ثم قال في نفسه: مولاي أعلم بما قال: و أنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه علي هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن عليه السلام.

قال: و سعي بعلي بن يقطين الي الرشيد، و قيل له: انه رافضي مخالف لك، فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين، و لست أري أن في خدمته لي تقصيرا، و قد امتحنته مرارا فما ظهرت منه علي ما [يقرف] [1] [2] به، و أحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز مني. فقيل له: ان الرافضة - يا أميرالمؤمنين - تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه، و لا تري غسل الرجلين، فامتحنه من حيث لا يعلم.

فتركه مدة و أناطه بشي ء من الشغل في الدار، و كان علي بن يقطين يخلو الي حجرة في الدار لوضوئه و صلاته، فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء الحجرة بحيث يري علي بن يقطين و لا يراه، فتوضأ كما أمره الكاظم عليه السلام و الرشيد ينظر اليه، فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتي أشرف عليه من حيث لا يراه، ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة. و صلحت حاله عنده.

قال: و ورد كتاب أبي الحسن عليه السلام يقول فيه: «ابتدئ من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما أمر الله... فقد زال ما كان يخاف عليك، و السلام» [3] .



[ صفحه 54]



و للأستاذ اليعقوبي في ذلك من لا ميته:



فلولاه ما كان ابن يقطين تاركا

طريقته الأولي التي ليس تجهل



علي حين قد كان الرشيد بمرصد

يراقبه في أمره كيف يفعل



فعاين منه غير ما كان سامعا

و كذب ما عنه الوشاة تقولوا




پاورقي

[1] في الأصل: (يعترف)، و ما أثبتناه من المصدر.

[2] قرفت الرجل: أي عبته، و يقال: هو يقرف بكذا، أي يرمي به و يتهم، فهو مقروف. الصحاح 4: 1415 - قرف.

[3] الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 225 - 229، باختلاف يسير.