بازگشت

في السجون


كان الامام موسي بن جعفر عليه السلام من رهبان بني هاشم، و كان أعبد أهل زمانه، و كان قائما ليله صائما نهاره، سواء كان في أهله أم في سفر أو حضر أم بالسجون، كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتي تطلع الشمس و يخر ساجدا فلا يرفع رأسه من السجود حتي يقرب زوال الشمس.

روي الصدوق قدس سره في (العيون) بسنده عن عبدالله الغروي، قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح داره، فقال لي: ادن مني، فدنوت حتي حاذيته، ثم قال لي: أشرف الي البيت في الدار، فأشرفت، فقال لي: ما تري في البيت؟ قلت: ثوبا مطروحا، فقال: انظر حسنا، فتأملت و نظرت فتيقنت، فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا مولاك، قلت: و من مولاي؟ قال: تتجاهل علي؟! فقلت: ما أتجاهل، ولكني لا أعرف لي مولي، فقال: هذا أبوالحسن موسي بن جعفر عليه السلام، اني أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي أخبرك بها، انه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس، و قد وكل من يترصد له الزوال، فلست أدري متي يقول الغلام: قد زالت الشمس، اذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد و ضوءا، فأعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي، فلا يزال كذلك الي أن يفرغ من صلاة العصر، فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الي أن تغيب الشمس، فاذا غابت وثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا، و لا



[ صفحه 60]



يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العتمة، فاذا صلي العتمة أفطر علي شوي يؤتي به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر، فلست أدري متي يقول الغلام: ان الفجر قد طلع، اذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول الي.

فقلت: اتق الله و لا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا الا كانت نعمته زائلة. فقال: قد أرسلوني في غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم الي ذلك، و أعلمتهم أني لا أفعل ذلك، و لو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني [1] .

قال المرحوم السيد صالح القزويني:



يابن النبيين كم أظهرت معجزة

في السجن أزعجت فيها الرجس هارونا



لم يلهك السجن عن هدي و عن نسك

اذ لا تزال بذكر الله مفتونا [2] .

روي اسحاق بن عمار، قال: لما حبس الرشيد موسي الكاظم عليه السلام دخل الحبس ليلا أبويوسف و محمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة فسلما عليه و جلسا عنده، و أرادا أن يختبراه بالسؤال لينظرا مكانه من العلم، فجاءه بعض الموكلين به من الشرطة، فقال له: ان نوبتي قد فرغت و أريد الانصراف من الخدمة و آتي غدا ان شاء الله تعالي، فان كان لك حاجة مرني أن آتيك بها غدا معي اذا جئت، فقال: «ما لي



[ صفحه 61]



حاجة، انصرف»، ثم قال لأبي يوسف و محمد بن الحسن: «اني أعجب من هذا الرجل يسألني أن أكلفه حاجة يأتيني بها معه غدا اذا جاء و هو ميت في هذه الليلة!». قال أبويوسف: فأمسكنا عن سؤاله.

قال: و قاما و لم يسألاه عن شي ء، و قالا: أردنا أن نسأله عن الفرض و السنة فأخذ يتكلم معنا في علم الغيب، و الله لنرسلن خلف الرجل من يبيت علي باب داره و ينظر ماذا يكون من أمره.

قال: فأرسلا شخصا من قبلهما جلس علي باب ذلك الرجل، فلما كان أثناء الليل و اذا بالصراخ و الناعية، فقيل لهم: ما الخبر؟ فقالوا: مات صاحب البيت فجأة، فعاد الرسول الي أبي يوسف و صاحبه فأخبرهما الخبر، فتعجبا من ذلك غاية العجب [3] .

و في (عيون الأخبار): عن عمر بن واقد في جملة خبره: أنه عليه السلام دعا المسيب بن زهير - و كان موكلا به - قبل وفاته بثلاثة أيام، و قال له: «يا مسيب»، فقال: لبيك يا مولاي، قال: «اني ظاعن في هذه الليلة الي المدينة - مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله - لأعهد الي علي ابني ما عهده الي أبي و أجعله وصيي و خليفتي و آمره بأمري».

قال المسيب: قلت: يا مولاي، كيف تأمر أن أفتح لك الأبواب و أقفالها و الحرس معي علي الأبواب؟! قال: «يا مسيب، ضعف يقينك في الله عزوجل و فينا»؟ قلت: لا و الله يا سيدي، قال: «فمه»، قلت ادع الله عزوجل أن يثبتني، فقال: «اللهم ثبته»، ثم قال عليه السلام: «اني أدعو الله عزوجل باسمه العظيم الذي دعا به آصف بن برخيا حين جاء بسرير بلقيس و وضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه اليه، حتي يجمع بيني و بين ابني علي عليه السلام بالمدينة».



[ صفحه 62]



قال المسيب: فسمعته عليه السلام يدعو ثم فقدته من مصلاه، فلم أزل قائما علي قدمي حتي رأيته قد عاد الي مكانه و أعاد الحديد الي رجليه، فوقعت ساجدا لوجهي شكرا علي ما أنعم به علي من معرفته، فقال لي: «ارفع رأسك يا مسيب، و اعلم أني راحل الي الله عزوجل في ثالث هذا اليوم».

قال: فبكيت، فقال لي: «لا تبك يا مسيب، فان عليا ابني هو امامك و مولاك بعدي فاستمسك بولايته، فانك لن تضل ما لزمته»، فقلت: الحمد لله [4] .

يروي أن المسيب هذا كان الامام محبوسا عنده [5] .

نعم، من جملة الحبوس التي حبس بها عند المسيب، ولكن أعظم علي امامنا كان حبس السندي بن شاهك.



تبت يد السندي مما جاءه

و لسوف يصلي في لظي سجين



[ صفحه 63]




پاورقي

[1] عيون أخبار الرضا (7) 1: 86 - 87 / 10، باختلاف يسير، و فيه: (القروي) بدل (الغروي).

[2] انظر: المجالس السنية 2: 550 - 551.

[3] انظر: كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 38. الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام: 241.

[4] عيون أخبار الرضا 1: 83 - 84، باختلاف يسير.

[5] انظر: عيون أخبار الرضا 1: 83. مناقب آل أبي طالب 4: 303.