بازگشت

وفاته


اتفق أرباب التاريخ و أهل السير [1] علي أن الامام موسي بن جعفر عليه السلام كانت وفاته علي يد السندي بن شاهك، و قد سمه بالرطب المسموم، و قضي نحبه في ظلمة السجن - أي سجن السندي بن شاهك لعنه الله - ببغداد، و ذلك في الخامس و العشرين من شهر رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة [2] .

ذكر صاحب (كامل التاريخ): لما حبس الامام عند السندي بن شاهك فصارت أخت السندي تتولي أمر الامام في سجنه، و كانت تتدين. روي عنها أنها قالت: كان الامام موسي بن جعفر عليه السلام اذا صلي العتمة حمد الله و مجده و دعاه الي أن يزول الليل، ثم يقوم فيصلي حتي يطلع الصبح، ثم يذكر الله تعالي حتي تطلع الشمس، ثم يجلس الي ارتفاع الضحي، ثم يرقد و يستيقظ قبل الزوال، ثم يتوضأ و يصلي حتي يصلي العصر، ثم يذكر الله حتي يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب و العتمة، فكان هذا دأبه الي أن مات [3] .



[ صفحه 64]



ذكر صاحب (الخرائج) مرويا عن محمد بن الفضل الهاشمي في خبر طويل، قال: أتيت موسي بن جعفر عليه السلام قبل وفاته بيوم واحد، فقال عليه السلام: «اني ميت لا محالة، فاذا و اريتني في لحدي فلا تقيمن، و توجه الي المدينة بودائعي هذه و أوصلها الي ابني علي الرضا عليه السلام، فهو وصيي و صاحب الأمر بعدي». قال: و لما توفي عليه السلام أتيت المدينة فدخلت علي الرضا عليه السلام فسلمت عليه بالأمر، و أوصلت اليه ما كان معي [4] .

و ذكر صاحب (المناقب): أنه لما حبس الرشيد موسي بن جعفر عليه السلام و أظهر الامام الدلائل و المعجزات و هو في الحبس، دعا الرشيد يحيي بن خالد البرمكي و سأله تدبيرا في شأن موسي بن جعفر عليه السلام، فقال: الذي أراه لك أن [تمن] [5] عليه و تصل رحمه، فقال الرشيد: انطلق اليه و أطلق عنه الحديد و أبلغه عني السلام و قل له: يقول لك ابن عمك: انه قد سبق مني فيك يمين ألا أخليك حتي تقر لي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك، و ليس عليك في اقرارك عار و لا في مسألتك اياي منقصة، و هذا يحيي و هو ثقتي و وزيري قل له [6] بقدر ما أخرج من يميني، و انصرف راشدا.

فقال عليه السلام: «يا أباعلي، أنا ميت، و انما بقي من أجلي أسبوع، اكتم موتي، و ائتني يوم الجمعة، و صل أنت و أوليائي علي و وارني»، ثم قال له: «يا أباعلي، أبلغه عني: يقول موسي بن جعفر عليه السلام: رسولي يأتيك يوم الجمعة و يخبرك بما يري، و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المتعدي علي صاحبه».

قال: ثم خرج يحيي من عنده - و قد احمرت عيناه من البكاء - حتي دخل علي



[ صفحه 65]



هارون، فلما أخبره بجوابه قال هارون: ان لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا، فلما كان يوم الجمعة توفي أبوابراهيم [7] .

و في (الدر النظيم): يروي عن السندي بن شاهك، قال: وافي خادم من قبل الرشيد الي أبي الحسن عليه السلام و هو محبوس عندي، فدخلت معه، و قد كان قال له: تعرف خبره، فوقف الخادم، فقال ما لك؟ قال: بعثني الخليفة لأعرفه خبرك، فقال عليه السلام: «قل له: يا هارون، ما من يوم ضراء انقضي عني الا انقضي عنك من السراء مثله، حتي نجتمع أنا و أنت في دار يخسر فيها المبطلون» [8] .

و ذكر صاحب (الدر النظيم) أنه روي عن الفضل بن الربيع عن أبيه، قال: بعثني هارون الي أبي الحسن عليه السلام برسالة و هو في حبس السندي بن شاهك، فدخلت عليه و هو يصلي، فهبته أن أجلس، فوقفت متكئا علي سيفي، فكان عليه السلام اذا صلي ركعتين و سلم واصل بركعتين أخري، فلما طال وقوفي و خفت أن يسألني هارون و حانت منه تسليمة فشرعت في الكلام فأمسك، و قد كان قال لي هارون: لا تقل: بعثني أميرالمؤمنين اليك، ولكن قل: بعثني أخوك و هو يقرئك السلام و يقول لك: انه بلغني عنك أشياء أقلقتني فأقدمتك الي، و فحصت عن ذلك فوجدتك نقي الجيب بريئا من العيب مكذوبا عليك في ما رميت به، ففكرت بين اصرافك الي منزلك و مقامك ببابي، فوجدت مقامك ببابي أبرأ لصدري و أكذب لقول المشرعين فيك، و لكل انسان غذاء قد اغتذاه و ألفت عليه طبيعته، و لعلك اغتذيت بالمدينة أغذية لا تجد من يصنعها لك ها هنا، و قد أمرت الفضل أن يقيم لك من ذلك ما شئت، فمره بما أحببت، و انبسط في ما تريده.



[ صفحه 66]



قال الربيع: فجعل الجواب في كلمتين من غير أن يلتفت الي، فقال: «لا حاضر مالي فينفعني، و لم أخلق مسؤولا، الله أكبر»، و دخل في الصلاة، فرجعت الي هارون فأخبرته، فقال لي: فما تري في أمره؟ فقلت: يا سيدي، لو خططت في الأرض خطة فدخل فيها ثم قال: لا أخرج منها، ما خرج منها، قال الرشيد: هو كما قلت: ولكن مقامه عندي أحب الي، و اياك أن تخبر بهذا أحدا.

قال الربيع: فما أخبرت به أحدا حتي مات هارون [9] .

و في (عيون المعجزات): يروي أن السندي بن شاهك أحضر بين يدي الامام طبقا و فيه من الرطب المسموم، و قال له: كل يا موسي من هذا الرطب، فأكل منه عشر رطبات، فقال له السندي: تزداد؟ فقال له: «حسبك، قد بلغت ما تحتاج اليه في ما أمرت به».

و لما أكل الامام من ذلك الرطب المسموم فكأنما من فمه الي سرته تقطع بالسكاكين و تشرح بالمواس.

قال: ثم ان السندي أحضر القضاة و العدول قبل وفاته عليه السلام بأيام و أخرجه اليهم، و قال: ان الناس يقولون: ان أباالحسن موسي في ضنك و ضرر، و ها هو ذا لا علة به و لا مرض و لا ضرر.

قال: فالتفت اليهم موسي بن جعفر و قال لهم: «أشهدكم أيها النفر أني صحيح الظاهر، ولكنني مسموم منذ ثلاثة أيام، و سأحمر في آخر يومي هذا حمرة شديدة، و أصفر غدا صفرة شديدة، و أبيض بعد غد و أمضي الي رحمة ربي»، فمضي عليه السلام كما أخبر في اليوم الثالث [10] .



[ صفحه 67]



قال أرباب التاريخ: فلما كان آخر النهار من ذلك اليوم احمر بدنه الشريف، و لما كان اليوم الثاني اصفر صفرة شديدة، و لما كان اليوم الثالث ابيض لونه.

و لما علم عليه السلام بدنو أجله اتجه نحو القبلة و هو يقرأ سورا من القرآن، فمد يديه، و أسبل رجليه، و غمض عينيه، و قضي نحبه مسموما صابرا مضطهدا.



لهف نفسي علي ابن جعفر موسي

و هو في قيده يعاني الحبوسا



شيعت نعشه النفوس ولكن

رزؤه شيع الأسي و النفوسا




پاورقي

[1] انظر الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 215، 242. اعلام الوري 2: 6، 33. كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 6، 24. بحارالأنوار 48: 206 - 207 / 1، 2، 4، 6.

[2] و يروي من طريق آخر أن الذي تولي سم الامام هو يحيي بن خالد البرمكي، و المشهور هو السندي بن شاهك، و لعله كان يحيي يتلقي الأوامر من الرشيد و يوعز بها الي السندي، و الله أعلم. «منه رحمه الله».

[3] الكامل في التاريخ 5: 108، بالمعني.

[4] الخرائج و الجرائح 1: 341.

[5] في الأصل: (تحن)، و ما أثبتناه من المصدر.

[6] في المصدر: (فله) بدل (قل له).

[7] مناقب آل أبي طالب 4: 290، باختلاف يسير.

[8] عنه: الأنوار البهية: 194.

[9] عنه: الأنوار البهية: 194 - 195.

[10] عيون المعجزات: 95.