بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام علي معادن العصمة، و لآلي ء السمة، و درر العلم، و كنوز الفهم، محمد القدوة، و علي الصفوة، و فاطمة الحورا، و الحسنان الثمرة، و ذريتهم البررة.

أما بعد...

اذا أردنا استعراض سيرة الامام الكاظم (ع)، فان أول ما يتبادر الي الذهن، قمعه وزجه في زنزانات السلاطين، ليواروا شخصه عن شيعته و محبيه، و ليطفئوا نور امامته، عساهم بذلك يتمكنون من الشموخ بملكهم، و الانفراد بسلطانهم فيبقوا في الساحة دون منافس.

و ظنوا أنهم بهذا التعسف الوحشي، سيتمكنون من السيطرة و الانقضاض علي قلوب شيعة أهل البيت و مواليهم، فيحجموا عن التقرب الي الامام، فيتقوقعوا في زوايا بيوتهم، فينضووا حينئذ قهرا و قسرا تحت لواء عروش الجبابرة.

و لكنهم نسوا أو تناسوا أن السجن كان أمنيته الامام موسي الكاظم (ع) فقد كان (ع) يقول في دعائه «اللهم انك تعلم أني كنت اسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت فلك الحمد [1] .

و قد كان يعلم الامام (ع) أن دائرة السوء سوف تدور عليهم، اذ أنهم



[ صفحه 10]



بسجنهم له تافت النفوس شوقا اليه، و ارتأت الشعوب القيام بثورة دفاعا عنه، و حقدا علي الملك العضوض الذي تعلق به العباسيون بمخالبهم الكاسرة، و أنيابهم الحادة، تنهش الحي و الميت!... الي أن طرحت فريسة تنقض عليها و تقضمها البطون الجوعي، و الأكباد الحري.

و ذلك بقيام الثورات ضد الملوك العباسيين، و أزلامهم كالبرامكة الذين كانوا الساعد الأيمن للعباسيين، و خاصة لهارون الرشيد، فقد رماهم الله و أزال ملكهم و عزهم، علي يد هارون نفسه، و قد كان الامام الكاظم عليه السلام أخبر بهلاك البرامكة قائلا: «مساكين ال برمك! لا يعلمون ما يجري عليهم» [2] .

ثم ان من سبر حياة الامام الكاظم (ع) يري العجب من الخوف الرهيب الذي كان يداهم السلاطين و يقض مضاجعهم بين الحين و الآخر، من تواجد الامام (ع) في مملكتهم حر طليق، فلابد من الضغط عليه و علي شيعته، بقيد وثيق.

ان الاضطراب النفسي الذي كان يعيشه الحكام جعلهم في دوامة و حيرة من أمرهم تجاهه (ع) حتي أضطرهم الي سجنه مع حبهم له، خوفا من أن يفلت الحكم من أيديهم، و قد كان هارون الرشيد يموه لرعيته أن الخوف علي المصلحة الاسلامية العليا هي التي تفرض عليه سجن الامام (ع). فقد دخل هارون مسلما علي قبر رسول الله «ص» قائلا: «بأبي أنت و أمي يا رسول الله! اني أعتذر اليك من أمر عزمت عليه، اني أريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه، لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حربا تسفك فيها دماؤهم» [3] .

فالعباسيون كانوا يكنون الحب و الاحترام و يعترفون بفضائل الأئمة فهم بين ظهراني معجزاتهم و ورعهم و... و لكن الملك عقيم.

فقد حدث مع المهدي العباسي حادثة مخيفة عندما سجن الامام الكاظم (ع) اذ أنه رأي في منامه أميرالمؤمنين عليا (ع) يقول له: «فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم «فأطلقه (ع) و لكن بعد أن



[ صفحه 11]



أخذ منه العهد قائلا: فتؤمني أن لا تخرج علي أو علي أحد من ولدي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك و لا هو من شأني» [4] و كما أعترف هارون الرشيد عندما سأله ولده المأمون عن سبب أذيته للامام الكاظم (ع) مع احترامه له - حتي لقد تعجب المأمون من ذلك و قال: لقد تعلمت التشيع من أبي - فقال: أنا امام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر و موسي بن جعفر امام حق والله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله «ص» مني و من الخلق جميعا، و والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فان الملك عقيم [5] بل لما نظر هارون الي الامام من سطح يشرف علي السجن، فرأي شيئا ملقي علي الأرض ظن أنه ثوب، فعندما أخبره الربيع بأنه الكاظم (ع) و أن له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي الزوال تعجب هارون و قال: أما ان هذا من رهبان بني هاشم! فأغتنمها فرصة الربيع فقال: فما لك قد ضيقت عليه في الحبس؟ قال: هيهات لابد من ذلك [6] !!! فهذه فلتات اللسان في مدح الامام (ع) كانت تظهر دوما علي لسان العدو و الصديق.

و مع كل الذي حصل للامام (ع) نري أنه قد ملأ الآفاق في علمه فقد عبر عنه بالبحر الذي لا ينزف، اذ أنه تحدث (ع) في جميع ابواب الفقه و الطب و الفلسفة و النجوم و... ما يعجز عنه البيان و ما وصل لنا من أحاديثه و مواعظه ما يقرب من 4346 حديث [7] ثم اننا نلمس أن الامام (ع) لما رأي من قتل للعلويين في السجون و التضييق عليهم، قام يحث شيعته علي انجاب الاطفال، كي يملؤا الآفاق بكلمة التوحيد، و كان (ع) هو السباق في ذلك، اذ أنه من أكثر الأئمة نسلا.

انهم ارادوا قتل العلويين حتي لا يبقي منهم قامة سوط - كما قال أبوجعفر المنصور الدوانيقي - و لكنهم ارادوا الله، فكان صيتهم عليهم السلام ينشر يوما بعد يوم في شرق الأرض و غربها و زماننا هذا أكبر شاهد علي ذلك.

و ما زال وقود نور الامامة يشعل أعماقهم و يحفزهم للقيام بثورة علي



[ صفحه 12]



الباطل، لاضفاء نور الحقيقة في أرجاء المعمورة.

ألقي السندي بن شاهك جثة الامام (ع) علي جسر بغداد ثلاثة أيام لتنفي تهمة تلوث يده بدمه!! و لكن الأخضرار الذي بان علي الامام (ع) من أثر السم، تحول الي اخضرار في ربوع قلوب شيعته، فرسخت عقيدتهم، و هيجت أحزانهم فنذروا الأخذ بالثأر، و اصلاء اعدائهم حر النار.

و ان الدماء التي استنزفتها السلطة من الامام تحولت الي بقع حمراء تصبغ عروشهم الي الأزل بالعار و الشنار.

و ان القيود التي كبل بها الامام [8] تحولت الي رابطة محبة و ولاء، و سلسلة ذرعها سبعون ذرعا علي الأعداء.

و قد اعترف بذلك الرشيد عند موته فأنشأ يقول: «ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانيه [9] و لكنه خجل اتمام الآيات بقوله «خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه». و أملا في تبيان سيرة الامام الكاظم (ع) التي اكتنفها الغموض، اذ قل ما سطر عنه، و اخراجها بحلة جديدة، شمرت ذراع الجد بالبحث و التنقيب، بغية أن أري ما غيبة التاريخ فوجدت ضالتي، لكن لا أدعي الوصول الي كل المأمول، و أرجو أن تكمل المسيرة في بيان السيرة.

و أخص بالشكر السيد عمار شرف الدين، و الشيخ محمود معتوق، اللذان نقحا الكتاب مما وقع فيه من زلات القلم، أيدها الله بلطفه.

فعهدا لك يا كاظم الغيظ، بأننا لن نكظم غيظنا عن الأعداء بعد اليوم، لأن الصبح بان، لذي العيان، و قد آن الأوان، لصرخة و لهان، توصل الأمان الذي الايمان، بظهور صاحب الزمان.

فالأمان الأمان

يا صاحب الزمان.

عائدة طالب العاملية

شوال 1420



[ صفحه 17]




پاورقي

[1] الفصول المهمة ص 240، كشف الغمة ج 3 ص 25، الارشاد 280.

[2] الامام الكاظم للقرشي ج 2 ص 214.

[3] بحارالأنوار ج 84 ص 213.

[4] كشف الغمة ج 3 ص 3، الفصول المهمة ص 232.

[5] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 88.

[6] عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 95.

[7] عدت الأحاديث في مسنده فقاربت هذا العدد.

[8] سفينة البحار ج 1 ص 523.

[9] الحاقة / 28.