بازگشت

علمه باللغات


ان كل ما ذكر للأئمة (ع) من علوم و كرامات و... له جذور في القرآن الكريم علي أيدي الأنبياء، و بعدما ورد في سند صحيح بأنهم (ع) وارثو علم الأنبياء، فلابد من الرضوخ لنسبة هذه العلوم اليهم (ع).

لقد شكر سليمان ربه (ع) بقوله «يا أيها الناس علمنا منطق الطير...» و عندما حذرت النملة النمل من سليمان و جنوده، فهم قولها و ابتسم ضاحكا... فأي غضاضة بقيت في النفس اذن!!.

و قد روي علي بن أبي حمزة قال كنت عند أبي الحسن (ع) اذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش، و قد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم،



[ صفحه 44]



و كان من الحبش جميل، فكلمه بكلام ساعة حتي أتي علي جميع ما يريد، و أعطاه درهما فقال: أعط أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما، ثم خرجوا فقلت: جعلت فداك لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية، فماذا أمرته؟ قال: أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا، و يعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، و ذلك أني لما نظرت اليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم، فأوصيته بجميع ما أحتاج اليه، فقبل وصيتي، و مع هذا غلام صدق. ثم قال: لعلك عجبت من كلامي اياه بالحبشية؟ لا تعجب فما خفي عليك من أمر الامام أعجب و أكثر، و ما هذا من الامام في علمه الا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء، أفتري الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟ قال: فان الامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، و عجائبه أكثر من ذلك، و الطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا، و لا تنفد عجائبه» [1] و يستشف من هذه الرواية اضافة الي علمهم (ع) باللغات، قوله لابن أبي حمزة البطائني - الذي صار فيما بعد من رؤساء المذهب الواقفي، و أنكر امامة ولده الامام الرضا (ع)، و جحد عليه الأموال و استأثر بها لنفسه، بل أنه ادعي أن الامام الكاظم لم يمت حتي لا يعطي الأموال للرضا (ع).

فالامام (ع) بادر بقوله لعلي بن أبي حمزة - علمت أنه غلام عاقل، فلذا أوصيته فانه أهل للأمانة، و قبل وصيتي و لن يجحدها لأنه صادق.

فكأن جرس الايقاظ كان يرن في أذني ابن أبي حمزة - وكيل الامام - لعله يثبت علي وثاقته بعد موت الامام، و لكنه صم عن السماع.

و قد تكلم بالخزرية و التركية مع غلمان هارون الرشيد عندما هموا بقتله [2] .

ثم ان لمعرفة الأئمة (ع) بلغات الأمم، آثار لها طابعها الخاص، اذ أن الخزري اذا تكلم معه الامام بالخزرية مثلا، فانه سيشعر بأن الامام



[ صفحه 45]



قريب منه و كأنه أخوه النسبي، و خاصة اذا كان ببلاد غربة كما في الموالي

و عن أبي بصير قال: دخلت علي أبي الحسن الماضي فقلت له جعلت فداك بما يعرف الامام؟ فقال: بخصال أما أولهن فشي ء تقدم من أبيه فيه، و عرفه الناس، و نصبه لهم علما، حتي يكون حجة عليهم، لان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نصب عليا (ع) علما و عرفه الناس، و كذلك الأئمة يعرفونهم الناس، و ينصبونهم لهم حتي يعرفوه و يسأل فيجيب، و يسكت عنه فيبتدي و يخبر الناس بما في غد، و يكلم الناس بكل لسان فقال لي: يا أبامحمد الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن اليها.

فوالله ما لبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية، فقال له الخراساني: أصلحك الله ما منعني أن أكلمك بكلامي الا أني ظننت أنك لا تحسن فقال: سبحان الله اذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك؟ ثم قال: «يا أبامحمد ان الامام لا يخفي عليه كلام أحد من الناس و لا طير و لا بهيمة، و لا شي ء فيه روح، بهذا يعرف الامام، فان لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو بامام» [3] .

فالأئمة (ع) في عقيدة الشيعة الاثني عشرية اذا لم يكونوا أعلي درجة من الرسل فليسوا بأقل من مساواتهم، و قد كان عيسي (ع) ينبي ء أصحابه بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم، و سليمان يكلم الطير، و يوسف ينبي ء بالمستقبل، و الخضر يعلم الغيب - مع أنه يقال بأن الخضر هو ولي و ليس بنبي - بل نحن نقول أن أئمتنا يرثون الأنبياء، كما في زيارة وارث للحسين (ع) السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله السلام عليك يا وارث نوح نبي الله... الخ.

فكذلك كل الأئمة يرثون الأنبياء و ليس الحسين (ع) بالخصوص، و انما هذه الزيارة وردت للحسين (ع).

فعلي هذا فأي غضاضة في أن يتكلم الامام (ع) بجميع اللغات، و في



[ صفحه 46]



هذا تقوية لقلوب شيعته و مواليه، و بهذه الكرامات و غيرها بقيت الشيعة قوية رغم كل المضايقات التي حيكت حولها.

و كان يقول (ع): «علمنا منطق الطير و أوتينا من كل شي ء...» [4] .

و لم يعط داود و آل داوود شيئا الا و قد أعطي محمد و آل محمد أكثر منه [5] .


پاورقي

[1] بحارالأنوار ج 48، ص 100، قرب الاسناد ص 144.

[2] ستأتي الرواية في عنوان «محاولة الرشيد قتل الامام بطرق عدة».

[3] بحارالأنوار ج 48 ص 47.

[4] بحارالأنوار ج 48 ص 57.

[5] نفس المصدر.