بازگشت

الأب: الامام الصادق


... و قبل الاقتحام في مضمار البحث عن حياة من دانت له البشرية بالتكريم و التبجيل لابد من استعراض لمحة موجزة من سيرة الامام الصادق (ع) ذاك الوالد الذي لم تزل تعاليمه متدفقة حتي يومنا الحاضر، من كثرة القواعد و الاصول التي رسخها في أفكار أصحابه لتكون نموذجا وضاء وحيا تسير علي خطاه الأجيال ما بقي الدهر.

و لا مبالغة في الحديث و لا مغالاة في قولنا أن الامام الصادق (ع) أزهر و أزخر المكتبة الشرقية و الغربية بتعاليمه التي بهرت العقول، و لم يزل التنقيب مستمرا في مخبآت رواياته، ليستكشف من خلالها طبا و دواء عجز عن كشفه علماء القرن العشرين، و كذا في مجالات أخري.

علاوة علي ذلك! فانه لم يعهد مثيل لمدرسة حوت طلابا في مختلف العلوم، مع ذاك التدفق الرهيب، علي النهل من ينبوع علم الامام الصادق (ع) حتي لقد احصوا تلاميذه فكانوا أكثر من أربعة آلاف عالم، في شتي العلوم المختلفة، مع تأكيد الامام (ع) لكثير من أصحابه في أن يتخصصوا بعلوم معينة، ليكون طلابه أبرع و أروع في تخصصهم، و ذاك لأن قصور عقولهم عن أدراك الكمال الذي كان يتحلي به الامام (ع) جعلهم يخوضون في بحر علمه لنهل عذب نمير علمه أجمع، و لكنهم أحجموا و تقهقروا عندما شعروا بعجزهم فوقفوا عند حدهم.

و شجعهم الامام علي ذلك اذ رأي أن الاوعية كثيرة، فطفق يغدق في



[ صفحه 18]



كل وعاء ما أمكن تحمله و الا لهدر سدي.

و ابتلي الامام الصادق (ع) بجو مشحون بالمغالطات و الزندقات، و التفسير بالرأي و العمل بالقياس، فقام يفند المزاعم و يقوي صرح الدين بالمحاججات و المناظرات، و تفنيد الشبهات، مما لا يبقي لذي شك حجة.

في هذا الاطار الذي كان يدور حوله الامام (ع) نري أنه لم يرض لشيعته، أن تنسب نفسها اليه اذا لم يكونوا علي درجة من الورع و صدق الحديث و أداء الأمانة و المحافظة علي الصلاة و... فكان (ع) لا يرضي بالعلم الجاف الذي لا يتحرك في نطاق الوعي و الالتزام الديني علي جميع المحاور.

و بهذا انشأ جيلا متكاملا يتحلي بصفات العلم و الحلم، و القول و العمل، فكان ذاك الجيل انطلاقة في مسيرة الجهاد الي يومنا هذا و ها نحن نستذوق طعمها، اذ أنها أينعت في هذا الزمن. و لكن الحكومة الغاشمة لم تشأ لتلك المسيرة الظافرة أن تكمل طريقها، فسدت منافذها، و لكنها ما استطاعت ايقافها البتة، لأنها كانت قد تغلغلت في النفوس، فرست معالمها، بما أيدها الله جل جلاله، بين وفور الفرصة للامام (ع) بين انحلال الدولة الأموية، و سيطرة الدولة العباسية، بما ادي للدولتين دون الحؤول و الوقوف في طريق تحقيق أهداف الامام المنشودة.

و لكن و بعد أن شيدت الدولة العباسية، و رست سفينتها علي شاطي ء الأمان، و درت بالمخاطر التي تجول حولها، درأتها بدس السم للامام الصادق (ع) علي يد المنصور الدوانيقي.

و ظن بذلك أنه حقق حلمه، و سينام في سبات عميق علي وسادته مطمئن البال، و لكنه لم يعتبر بمن قتل الأئمة من قبله، كيف كان مصيرهم، فها علي (ع) الذي سب علي المنابر سبعين سنة، كيف كان ذكره و ها الحسن و الحسين و... فكيف رأي التعلق الرهيب بحبهم و ولائهم!!!.