بازگشت

الامام الكاظم مع المنصور


قضي الامام الكاظم (ع) عشر سنوات من امامته في خلافة أبي جعفر المنصور، و لم يحدث التاريخ أن آذي الامام (ع) بسجن و نحوه، و لكن مع ذلك لم يفسح له المجال باطلاق حريته، لنشر الثقافة و الوعي في صفوف الرعية، بل كان يقيده بالأمور التي يراها مناسبة، حتي و لو لم تتناسب مع الشعائر الاسلامية.

و لعل غض النظر عن أذية الامام (ع) في هذه المدة المديدة، للشعور بالندم جراء قتله للامام الصادق (ع)

فهو و ان أظهر البراءة من قتله و لكن الأصابع أشارت اليه بالبنان، و لطخ تاريخه بدم الامام و اسود سجله و لو عند أصحاب الامام (ع) الذين لم ينطو عليهم ملابسات الحادثة، بل علموا يقينا أن المنصور الذي يزعم محبته للأئمة قد سمه غدرا.

نعم ان اقامة المنصور كانت في مدينته ببغداد، و الامام الكاظم (ع) كان يقيم في المدينة المنورة، فمن القريب جدا أن المنصور كان قد أجبر الامام الكاظم (ع) علي الاستقرار ببغداد تحت الرقابة و لو لمدة، و يتضح ذلك من خلال الرواية التالية.

حكي أن المنصور تقدم الي موسي بن جعفر بالجلوس للتهنية في يوم النيروز و قبض ما يحمل اليه. فقال عليه السلام: اني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلم أجد لهذا العيد خبرا، انه سنة للفرس و محاها الاسلام و معاذ الله أن نحيي ما محاه الاسلام، فقال المنصور: انما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك بالله العظيم الا جلست، فجلس و دخلت عليه



[ صفحه 68]



الملوك و الأمراء و الأجناد يهنونه و يحملون اليه الهدايا و التحف و علي رأسه خادم المنصور، يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن.

فقال له: يابن بنت رسول الله انني رجل صعلوك لا مال لي، أتحفك في ثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسين بن علي عليهماالسلام:

عجبت لمصقول علاك فرندة [1] .

يوم الهياج و قد علاك غبار



و لا سهم نفذتك دون جرائر

يدعون جدك و الدموع غزار



ألا تفضفضت السهام و عاقها

عن جسمك الاجلال و الاكبار



قال: قبلت هديتك اجلس بارك الله فيك، و رفع رأسه الي الخادم و قال: امض الي أميرالمؤمنين و عرفه بهذا المال و ما يصنع به؟ فمضي الخادم و عاد و هو يقول: كلها هبة مني له، يفعل به ما أراد، فقال موسي (ع) للشيخ: اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك [2] .

فما الذي حدا بالامام (ع) السفر الي بغداد و الجلوس في قصر الامارة اذن؟! مع الاستياء الذي كان يواجهه و يعانيه الامام (ع) من سياسة المنصور، مما جعله (ع) يبشر أصحابه بدنو أجل المنصور، و جعلوا يتناقلون ذلك و يتربصون الحين الذي يأتي بتلك البشارة، بل كبر الامام و استبشر بموته.

فعن علي بن أبي حمزة البطائني قال: سمعت أباالحسن موسي عليه السلام يقول: لا والله لا يري أبوجعفر الدوانيقي بيت الله أبدا، فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا فلم يلبث أن خرج، فلما بلغ الكوفة، قال لي أصحابنا في ذلك، فقلت: لا والله لا يري بيت الله أبدا.

فلما صار الي البستان اجتمعوا أيضا الي فقالوا: بقي بعد هذا شي ء؟ قلت: لا والله لا يري بيت الله أبدا، فلما نزل بئر ميمون أتيت أباالحسن عليه السلام فوجدته في المحراب قد سجد، فأطال السجود ثم رفع رأسه



[ صفحه 69]



الي فقال: أخرج فانظر ما يقول الناس، فخرجت فسمعت واعية أبي جعفر فرجعت فأخبرته فقال: الله أكبر! ما كان ليري بيت الله أبدا [3] .

ثم ان اطالة سجدة الامام (ع) ثم رفعه رأسه و قوله لصاحبه أخرج فانظر ما يقول الناس. لتعطي اشارة واضحة بأن الامام (ع) اما دعا عليه، أو دعا (ع) بتعجيل ما نبأ به، كي لا تتزلزل عقيدة شيعته باخباره لهم.


پاورقي

[1] فرندة: الفرند جوهر السيف و وشيه، و هو ما يري فيه شبيه مدب النمل أو شبه الغبار، المنجد - المعجم الوسيط.

[2] المناقب ج 1 ص 319.

[3] قرب الاسناد ص 144.