بازگشت

الامام الكاظم مع محمد المهدي


لقد تربي المهدي بن أبي جعفر الدوانيقي علي حب الانتقام، اذ أن أباه قد ورثه خزانة رؤوس من العلويين، و في كل رأس قد علق اسمه عليه، و فيها رؤوس شيوخ و شبان و أطفال [1] .

فكان يسير المهدي علي تلك السيرة، فلقد حبس وزيره يعقوب بن داود و بني علي المطبق الذي هو فيه قبة، و بقي فيه حتي عمي، و طال شعر بدنه، حتي صار كالأنعام لأنه اتهمه بممالأة الطالبيين [2] .

فلذا لم يكن المهدي ليتواني عن الوقيعة بالامام الكاظم (ع)، و ذلك للخوف الذي كان يداهمه من الخروج عليه، فلذا أقدمه بغداد و حبسه، ثم رده الي المدينة لرؤيا هالته.

لقد كانت الجزيرة العربية تحت سيطرة المهدي، فلم لم يحبسه في المدينة تحت نظر الوالي مثلا أو تحت أنظار مريدي المهدي؟!

أراد المهدي أن يراقب خطوات و حركات الامام (ع) و أصحابه و محبيه، فاذا كان في سجن بغداد، فهذا أكثر اطمئنانا لقلبه لتفقده في كل حين.

و قد اشتهرت هذه الرواية بين العامة و الخاصة، فعن الفضل بن الربيع عن أبيه: أن المهدي لما حبس موسي بن جعفر، ففي بعض الليالي رأي المهدي في منامه علي بن أبي طالب عليه السلام و هو يقول له: يا محمد



[ صفحه 70]



«فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم» قال الربيع: فارسل الي ليلا فراعني و خفت من ذلك، و جئت اليه و اذا هو يقرأ هذه الآية، و كان أحسن الناس صوتا، فقال: علي الآن بموسي بن جعفر، فجئته به فعانقه و أجلسه الي جانبه و قال: يا أباالحسن رأيت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النوم فقرأ علي كذا، فتؤمني أن لا تخرج علي و لا علي أحد من ولدي؟ فقال:والله لا فعلت ذلك و لا هو من شأني.

قال: صدقت. يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار، و رده الي أهله اي المدينة فقال الربيع: فأحكمت أمره في ثاني ليله و قضيت جميع حوائجه و ما أصبح الا و قد قطع أرضا خوفا عليه من العوائق [3] .

و في المناقب أنه لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل و قال ان اخلاص أبيك و أخيك فينا أظهر من الشمس و حالك عندي موقوف فقال: أفديك بالمال و النفس. فقال: هذا لسائر الناس. قال: أفديك بالروح و المال و الأهل و الدين. فقال: لله درك! فعاهده علي ذلك و أمره بقتل الكاظم (ع) في السحر بغتة، فنام فرأي في منامه عليا عليه السلام يشير اليه و يقرأ «فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم» فانتبه مذعورا و نهي حميدا عما أمره و أكرم الكاظم و وصله [4] .

و تشير هذه الروايات المتضافرة، علي الخوف الشديد الذي كان يداهم كيان المهدي، اذ أنه سرعان ما بويع بالخلافة، شد حدة الخناق علي الامام الكاظم، و حاول التخلص منه بالقتل أو السجن.

و لما أخذ العهد و الميثاق من الامام بعدم الخروج عليه أو علي أحد من ولده، اطمأن لفوره، و هدأت ثورته، فأكرمه ورده الي المدينة، و لكن



[ صفحه 71]



حتي مع خمود ثوران بركان غضبه، فان الربيع و هو أشد الناس علاقة بالمهدي خشي أن يغير المهدي رأيه أو ينصت الي مشورة أحد، فاحكم أمر الامام سريعا ورده، و بهذا يتبين أن المهدي كان سريع الانفعال و التأثر، سواء من الجانب السلبي أو الايجابي، و يمكن أن ينقلب لأقل وهلة.

و مما يلفت النظر أن هارون لما سجن الامام (ع) رأي رؤيا مرعبة جدا و هدد بالقتل من قبل علي (ع) أو غيره حسب اختلاف الروايات.

و لكن المهدي لم يهدد بالقتل، بل بالموعظة من الامام علي (ع) و قد تقبلها بعد أخذ الأمان من الامام الكاظم (ع).


پاورقي

[1] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) نقلا عن النزاع و التخاصم للمقريزي و غيره.

[2] نفس المصدر ص 70، نقلا عن مصادر عدة.

[3] الفصول المهمة 232، كشف الغمة ج 3 ص 3، تذكرة الخواص 313، الطبري ج 8 ص 177، الكامل في التاريخ ج 4 ص 8، مسند الامام الكاظم ج 1 ص 61 نقلا عن تاريخ بغداد ج 13 ص 30، مرآة الجنان ج 1 ص 394، شذرات الذهب ج 1 ص 304 و غير ذلك.

[4] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 59، البحار ج 48 ص 39.