بازگشت

الأم: حميدة المصفاة


ان للعامل الوراثي دور كبير في بناء شخصية الطفل، فلذا كان انتقاء الأم من أجل الأمور التي حث عليها الاسلام، قائلا عن لسان الامام



[ صفحه 19]



الصادق (ع) عن رسول الله «ص» اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين» [1] ، فلذا نري أهل البيت (ع) لا ينظرون الي كون المرأة التي يريدون الاقتران بها ذات نسب معروف، بل ان أكثر أمهات الأئمة (ع) كن جوار. لأن العبرة بدينها و خلقها.

أما كيف وصلت حميدة أم الامام الكاظم (ع) الي الامام الصادق (ع) روي الكليني باسناده قال: دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي علي أبي جعفر و كان أبوعبدالله قائما عنده فقدم اليه عنبا، فقال: حبة حبة يأكله الشيخ الكبير و الصبي الصغير، و ثلاثة و أربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع، و كله حبتين حبتين فانه يستحب.

فقال لأبي جعفر (ع): لأي شي ء لا تزوج أباعبدالله فقد أدرك التزويج؟ قال: و بين يديه صرة مختومة، فقال: أما انه سيجي ء نخاس من أهل بربر فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرة جارية: قال: فأتي لذلك ما أتي، فدخلنا يوما علي أبي جعفر (ع) فقال: ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد قدم، فأذهبوا فاشتروا بهذه الصرة جارية.

قال: فأتينا النخاس فقال: قد بعت ما كان عندي الا جاريتين مريضتين احداهما أمثل من الأخري، قلنا: فأخرجهما حتي ننظر اليهما فأخرجهما، فقلنا: بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال: بسبعين دينارا، قلنا: أحسن. قال: لا أنقص من سبعين دينارا، قلنا له نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت و لا ندري ما فيها و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللحية قال: فكوا وزنوا.

فقال النخاس: لا تفكوا فانها ان نقصت حبة من سبعين دينارا لم أبايعكم، فقال الشيخ: ادنوا، فدنونا و فككنا الخاتم و وزنا الدنانير فاذا هي سبعون دينارا لا تزيد و لا تنقص، فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي جعفر عليه السلام و جعفر قائم عنده، فأخبرنا أباجعفر بما كان، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال لها: ما اسمك؟ قالت: حميدة، فقال: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيب؟



[ صفحه 20]



قالت: بكر. قال: و كيف و لا يقع في أيدي النخاسين شي ء الا أفسدوه؟ فقالت: قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة، فيسلط الله عليه رجلا أبيض الراس و اللحية، فلا يزال يلطمه حتي يقوم عني، ففعل بي مرارا، و فعل الشيخ به مرارا. فقال: يا جعفر خذها اليك، فولدت خير أهل الأرض موسي بن جعفر عليهماالسلام» [2] .

فالامام الصادق (ع) كان يتمني الأشراف أن يصاهرهم لعلمه و فضله و مكانته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لكنه و أبيه عليهماالسلام أبيا ذلك، ليظهرا فضل و شرف الأم التي تحمل بين احشائها الامام، و بين طياتها حب الاسلام، بل ان الله تعالي أحاطهم بغيبه، بأن حميدة تلك الجارية - البربرية [3] - - أو الاندلسية - - أو الرومية - أو المغربية حسب اختلاف الروايات بالتعبير عنها - تستحق أن تكون أم امام، و أن الامام و ان أدرك التزويج، و لكنه ينتظر و لو مدة مديدة ليظهر الله أمره. ثم ان الامام الباقر (ع) لم يترك الأمر سرا بوصول حميدة، بل أنه أخبر أصحابه بذلك، ثم اعطاؤهم الصرة بالمبلغ المطلوب دون الاتقان مسبقا مع صاحبها، ثم المعجزة معها نفسها، و أنها كان معها من يحرسها كل هذا مع حضور الأصحاب يسمعون و يعون تلك المعاجز الغيبية التي أحاطت بحميدة.

بل قوله (ع) لها: حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة، من نظرته الأولي له، تشعر بالعلم الغيبي الذي كان يحيط به الامام (ع) عن شأنها، و كأن هذه الاشارات كلها تمهيدا لامامته (ع).

و في الكافي عن أبي عبدالله (ع): قال: «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها، حتي أديت الي كرامة من الله لي و الحجة من بعدي» [4] .

و في هذه الرواية يشير الامام الصادق الي الوصي من بعده، بأنه ليس



[ صفحه 21]



هو اسماعيل الذي أدعوا امامته، مع أن الامام الصادق (ع) أكدا لهم موته بقوله (ع) الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو؟ قالوا: اسماعيل ولدك.

فقال (ع): اللهم أشهد.

و ليس هو عبدالله الأبطح الذي ادعي الامامة، «و قد كان الصادق قال لولده الكاظم (ع): «يا بني ان أخاك سيجلس مجلسي و يدعي الامامة بعدي، فلا تنازعه بكلمة فانه أول أهلي لحوقا بي» و توفي بعد أبيه بسبعين يوما» [5] .

و اسماعيل و عبدالله أخويه لأبيه لا من أمه، و الامام اكد بأن الحجة من بعده من ولد حميدة.

و لقد كان (ع) يؤكد بأنها تلد مولودا ليس بينه و بين الله حجاب [6] .

أما بالنسبة لورعها و وثاقتها، فقد روي في عيون أخبار الرضا (ع) «انها حميدة المصفاة، و كلما أراد الامام الصادق (ع) تقسيم حقوق أهل المدينة، أعطاها لأمه أم فروة و زوجته حميدة المصفاة» [7] و كانت تلقب بلؤلؤة.


پاورقي

[1] وسائل الشيعة، كتاب النكاح - أبواب مقدمات النكاح - باب 13، ح 2.

[2] الكافي ج 1 ص 476.

[3] قال في معجم البلدان: بربر: اسم يشمل قبائل كثيرة في جبال المغرب، أولها ثم الي آخر المغرب و البحر المحيط و في الجنوب الي بلاد السودان.

[4] الكافي ج 1 ص 477.

[5] معجم رجال الحديث ج 10 ص 144 (ترجمة عبدالله).

[6] أعلام الوري ص 298.

[7] انظر ترجمتها في أعلام النساء و المؤمنات ص 311.