بازگشت

نبذة من سيرة هارون


لم تطل خلافة هارون حتي اقتص آثار آبائه، حذو القذة بالقذة و النعل بالنعل، هذا اذا لم يتطور لأساليب أرقي، و قد شبهه المؤرخون بالمنصور الا في بذل المال، حيث يقولون ان المنصور كان بخيلا [1] ، و أما هارون فقد كان يبذخ الأموال علي المغنين و علي ملذاته الدنيوية.

فقد مدحه أبوالعتاهية، و غناه ابراهيم الموصلي، فأعطي كل واحد منهما مائة ألف درهم، و مائة ثوب [2] .

و في احدي الليالي غناه، فقال: ما رأيت صوتا يجمع السخاء و الطرب و جودة الصفة مثل هذا الصوت.

فقال له ابراهيم: لو وهب لك انسان مائتي ألف درهم أكنت أسر بها أو بهذا الصوت؟ قال الرشيد: والله لأنا أسر بهذا الصوت مني بألفي ألف.

قال له ابراهيم: لم لا تهب لي مائتي ألف؟

فأمر لي بمائتي ألف درهم [3] .

و لقد كان يعلم الرشيد أن هذا صوت شيطان فلم يتورع منه، فقد قال اسحق بن ابراهيم الموصلي بينما هو عند الرشيد يغنيه، اذ طرب هارون



[ صفحه 84]



و نام، فأحس اسحق بشاب قد دخل عليه و أعطاه صوتا رخيما، فأوقظ هارون و قد كاد الصبح أن يطلع، و أخبره بالقصة فقال له: لقد صادفت شيطانا، أعد علي الصوت، فطرب طربا شديدا. بل كان يجمع المغنين و يقيم الحفلات ليطرب بصوت أحدهم [4] .

و غناه دحمان الأشقر، فوهب له قريتان غلتهما أربعون ألف دينار [5] .

و غنت له جارية فاشتراها بثلاثين ألف درهم، و لم يبقها عنده سوي بضعة أيام ثم وهبها لأحد خاصته [6] .

أما هباته للشعراء فأكثر من أن تحصي و يكفي أنه كان يهب في كل بيت ألف دينار أحيانا لمن مدحه [7] .

و كان يحب المديح، و لا سيما من شاعر فصيح، و يشتريه بالثمن الغالي، فدخل عليه مروان بن أبي حفصة فأنشده مديحا فيه الذي أوله:



و سدت بها دون الثغور فأحكمت

به من أمور المسلمين المرائر...



فأعطاه خمسة آلاف دينار فقبضها بين يديه و كساه خلعته، و أمر له بعشرة من رقيق الروم، و حمله علي برذون من خاص مراكبه [8] .

و قد أهدي له العباس بن محمد غاليه، فمدحها. فقال له خادم الرشيد: والله أنت شيخ أحمق، تجي ء الي خليفة الله فتمدح عنده غالية! أما تعلم أن كل شي ء تمطر و كل شي ء تخرج الأرض له، و كل شي ء هو في الدنيا فملك يده، و تحت خاتمه و في قبضته! و أعجب من هذا أنه قيل لملك الموت: انظر كل شي ء يقول لك هذا فأنفذه [9] أي أن رقاب كل الناس بيده، فمتي شاء و أمر بضرب الأعناق المجرمة و البريئة فعل.

و كان عنده شخص يمازحه و يضحكه، جعله في قصره، و كان يصله أحيانا اذا مازحه بمائة ألف درهم [10] .



[ صفحه 85]



و كان الدرهم يومئذ يشتري به ستون رطلا من التمر، و الزيت ستة عشر رطلا بدرهم و الكبش بدرهم [11] .

أما تنكيله بالعلويين فهذا مما لا يحصي، فقد كان مجرد اتهام شخص بولائه لآل أبي طالب، كافيا لأن تصادر أمواله و تتلف نفسه.

و جاء في رسالة الخوارزمي عن هارون قوله «الذي حصد شجرة النبوة و اقتلع غرس الامامة» [12] و في السنة الثانية من خلافته أخرج الطالبيين من بغداد الي المدينة (الكامل ج 4 / 26) و أرسل الجلودي لحرب محمد بن جعفر بن محمد، و أمره أن يغير علي دور آل أبي طالب في المدينة، و يسلب ما علي نسائهم من ثياب و حلي، و لا يدع علي واحدة منهن الا ثوبا واحدا [13] .

و قد قال عدد كبير من المؤرخين «كان يكره الشيعة و يقتلهم» بل أقسم يوما علي استئصالهم و كل من يتشيع لهم فقال: «... حتام أصبر علي آل بني أبي طالب، والله لاقتلنهم و لاقتلن شيعتهم...» [14] و عندما حضرته الوفاة أسف قائلا: «و اسوأتاه من رسول الله» [15] .

و يكفي في أمره لحميد بن قحطبة بقتل ستين علويا ظلما و رميهم في البئر. و يحتمل أن الآمر أحد عدلانه المنصور أو المهدي، لأن حميد بن قحطبة روي أنه مات سنة 159 و خلافة الرشيد كانت سنة 170.

و حاول منع خدمة قبر الحسين (ع) فبعث الرشيد ابن أبي داود و الذين يخدمون قبر الحسين بن علي في الحير، فأتي بهم، فنظر الحسن بن راشد الي ابن أبي داود، و قال: ما لك؟ قال: بعث الي الرشيد فأحضرني و لست آمنه علي نفسي، قال له: فاذا دخلت عليه فسألك، فقل له: الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع، فلما دخل عليه قال هذا القول، قال: ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن! أحضروه، فلما حضر، قال: ما حملك علي أن صيرت هذا الرجل في الحير؟ قال: رحم الله من صيره في



[ صفحه 86]



الحير، أمرتني أم موسي أن أصيره فيه، و أن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهما، قال: ردوه الي الحير، و أجروا عليه ما أجرته أم موسي».


پاورقي

[1] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 119.

[2] حياة الامام موسي بن جعفر عن الأغاني ج 4 ص 74، و التاج ص 41، و تاريخ الخلفاء ص 116، و العقد الفريد ج 3 ص 258.

[3] حياة الامام موسي بن جعفر عن الأغاني ج 4 ص 74، و التاج ص 41، و تاريخ الخلفاء ص 116، و العقد الفريد ج 3 ص 258.

[4] مروج الذهب ج 3 ص 370.

[5] المصادر السابقة.

[6] المصادر السابقة.

[7] المصادر السابقة.

[8] الطبري ج 8 ص 349.

[9] الطبري ج 8 ص 349.

[10] حياة الامام موسي الكاظم ص 29 نقلا عن هارون الرشيد لأحمد أمين.

[11] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 101 عن مصادر كثيرة.

[12] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 101 عن مصادر كثيرة.

[13] المصادر السابقة.

[14] المصادر السابقة.

[15] المصادر السابقة.