بازگشت

هارون يهدد والله يبدد


روي الشيخ الصدوق بالاسناد الي الفضل قال: كنت أصحب الرشيد، فأقبل علي يوما غضبانا، و بيده سيف يقلبه، فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لئن لم تأتني بابن عمي الآن، لأخذن الذي فيه عيناك. فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي، فقلت: و أي الحجازي؟ قال: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. قال الفضل: فخفت من الله عزوجل أن أجي ء به اليه، ثم فكرت في النقمة فقلت له: افعل.

فقال: أتيني بسوطين و هسارين [1] و جلادين، قال: فأتيته بذلك و مضيت الي منزل أبي ابراهيم موسي بن جعفر (ع) فأتيت الي خربة فيها كوخ من جرايد النخل، فاذا أنا بغلام أسود، فقلت له: استأذن لي علي مولاك يرحمك الله فقال لي: لج فليس له حاجب و لا بواب، فولجت اليه، فاذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده، فقلت له: السلام عليك يابن رسول الله أجب الرشيد. فقال (ع): ما للرشيد و مالي؟ أما تشغله نقمته عني؟ ثم وثب مسرعا و هو يقول: لو لا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أن طاعة السلطان للتقية واجبة اذا ما جئت.

فقلت له: استعد للعقوبة يا أباأبراهيم رحمك الله، فقال (ع) أليس معي من يملك الدنيا و الآخرة؟! و لن يقدر اليوم علي سوء بي انشاء الله تعالي.

قال فضل بن الربيع: فرأيته و قد أدار يده (ع) يلوح بها علي رأسه (ع) ثلاث مرات، فدخلت علي الرشيد، فاذا هو كأنه امرأة ثكلي قائم حيران، فلما رآني قال لي: يا فضل، فقلت: لبيك، فقال: جئتني بابن



[ صفحه 89]



عمي؟ قلت: نعم قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا. قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان، فاني قد هيجت علي نفسي ما لم أرده، ائذن له بالدخول، فأذنت له، فلما رآه وثب اليه قائما و عانقه و قال له: مرحبا بابن عمي و أخي و وارث نعمتي ثم أجلسه علي فخذيه، فقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال: سعة مملكتك و حبك للدنيا، فقال: ايتوني بحقة الغالية فأتي بها فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير.

فقال موسي بن جعفر (ع) والله لو لا أني أري أن أزوج بها من عزاب بني أبي طالب، لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها، ثم تولي (ع) و هو يقول: الحمد لله رب العالمين، فقال الفضل: يا أميرالمؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه و أكرمته فقال لي: يا فضل انك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون: ان أذي ابن رسول الله خسفنا به و ان أحسن اليه انصرفنا عنه و تركناه.

فتبعته عليه السلام فقلت له: ما الذي قلت حتي كفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء جدي علي بن أبي طالب كان اذا دعا به ما برز الي عسكر الا هزمه، و لا الي فارس الا قهره، و هو دعاء كفاية البلاء، قلت: و ما هو؟ قال: قلت: «اللهم بك أساور و بك أحاول و بك أحاور، و بك أصول و بك أنتصر و بك أموت و بك أحيا، أسلمت نفسي اليك و فوضت أمري اليك، و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، اللهم انك خلقتني و رزقتني، و سترتني عن العباد بلطف ما خولتني و أغنيتني، و اذا هويت رددتني، و اذا عثرت قومتني، و اذا مرضت شفيتني، و اذا دعوة أجبتني، يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني» [2] .

فقد استخف به أولا بقول هذا الحجازي، ثم ان الظاهر من الروايات أن هارون كان قد استدعاه الي بغداد للاقامة فيها، و الا ما السبب في مجي ء الامام الي بغداد و الاقامة فيها لو لا ذلك.

اضافة الي قول الغلام ليس له حاجب و لا بواب، لأكبر دليل علي



[ صفحه 90]



فرق و خوف أصحابه (ع) علي الالتفاف حوله و زيارته، و النهل من علمه و... فكأنه قد وضع تحت اقامة جبرية بمراقبة السلطة و تحري حركاته و مواليه، فلذا قال (ع) أما تشغله نقمته عني؟ فان الأذية التي كان يتلقاها دوما من هارون، توضح بأن أكبر هموم هارون التي شغلت أوقاته و قضت مضجعه وجود الامام الكاظم الذي يخشي منه علي ملكه.

و نلاحظ أن أميرالمؤمنين (ع) هو الوحيد الذي يري في المنام غالبا، سواء في رؤيا المهدي أو الهادي - حسب بعض الروايات - أو الرشيد، و كأن النزاع كان علي الخلافة و الامامة من الأصل، و علي (ع) هو المسؤول الأول عن مسألة استمرار الامامة، فكان يهددهم بالخسف و ما أشبه.


پاورقي

[1] يحتمل أنه ضرب من النطع (السرير الذي يجلد عليه).

[2] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 76.