بازگشت

ولادته


لجميع الأئمة (ع) ولادة مميزة، يتنبأ من خلالها علي أنه الحجة بعد أبيه، و ان كان الأئمة (ع) يعرفون ذلك من قبل ولادة الامام.

و لما أراد الله تعالي أن يخرج تلك الدرة الي عالم الوجود، و كان قريب عهد بموسم الحج، فلم يشأ الامام (ع) الاعراض عن تلك السنة المباركة، و هي الحج مرات عديدة بعد الفريضة، و لكن مع ذلك حميدة قريبة الولادة و يمكنه أن يوكل بها بعض نسائه أو أن يترك عدة جوار يتفقدن حالها دوما، و لكن الامام الصادق (ع) اصطحبها لأنه أراد أن يكون حاضرا، عند بزوغ فجر الامامة و فخر الشهامة.



[ صفحه 22]



أراد أن يجري له (ع) سنن المولود علي يديه، أراد أن يبين امامته بين أصحابه، و خاصة في طريق السفر، فان الخبر سرعان ما ينتشر، و قد أخبرهم (ع) أنه هو الوصي من بعده.

روي عن أبي بصير قال: «حججنا مع أبي عبدالله (ع) في السنة التي ولد فيها ولده موسي (ع) فلما نزلنا الأبواء [1] وضع لنا الغداء، و كان اذا وضع الطعام لأصحابه أكثره و أطابه، قال: فبينا نحن نأكل اذ أتاه رسول حميدة، فقال: ان حميدة تقول: اني قد أنكرت نفسي و قد وجدت ما كنت أجد اذا حضرتني ولادتي، و قد أمرتني أن لا أسبقك بابني هذا، قال: فقام أبوعبدالله (ع) فانطلق مع الرسول، فلما رجع (ع) قال له اصحابه: سرك الله و جعلنا فداك ما صنعت حميدة؟ قال: قد سلمها الله، و قد وهب لي غلاما و هو خير من برأ الله في خلقه، و لقد أخبرتني حميدة! ظنت أني لا أعرفه، و لقد كنت أعلم به منها! فقلت: و ما أخبرتك به حميدة عنه؟

فقال: ذكرت أنه لما سقط من بطنها سقط واضعا يده علي الأرض، رافعا رأسه الي السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمارة الوصي من بعده، فقلت: و ما هذا من علامة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علامة الوصي من بعده؟ فقال: يا أبامحمد! انه لما كانت الليلة التي علقت فيها بابني هذا المولود أتاني آت فسقاني كما سقاهم، و أمرني بمثل الذي أمرهم به.

فقمت بعلم الله مسرورا بمعرفتي ما يهب الله لي فجامعت، فعلقت بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي، ان نطفة الامام مما أخبرتك، فانه اذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر، و أنشي ء فيه الروح، بعث الله تبارك و تعالي اليه ملكا يقال له: حيوان. يكتب في عضده الأيمن «و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته» فاذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه الي السماء، فاذا وضع يده علي الأرض، فان مناديا يناديه من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلي باسمه و اسم أبيه، يا فلان بن فلان أثبت مليا لعظيم خلقتك، أنت صفوتي من خلقي، و موضع سري، و عيبة علمي، و أميني علي وحيي،



[ صفحه 23]



و خليفتي في أرضي، و لمن تولاك أوجبت رحمتي، و منحت جناني، و أحللت جواري، ثم و عزتي لأصلين من عاداك أشد عذابي» [2] .

فحميدة امتثلت لأمر الامام (ع) أن لا تحدث له أي حدث من المستحبات أو الارضاع قبل أن يحضر الامام، و اكدت قولها بابني هذا اشعارا الي أنه لم يعهد لها من قبل لاولاده الأكبر منه هذا الفعل، فلابد من سر اذن!.

و لما عاد الامام مستبشرا و سئل ماذا صنعت حميدة؟ فكان أول جوابه قد سلمها الله، قبل اخبارهم بمولوده الحجة.

فكم كانت اذن ذات منزلة عند الامام الصادق (ع) لأن سلامة المرأة عند ولادتها لطف من الله سبحانه و تعالي.

و لتأكيد الامام (ع) بكراماته و علامة الوصي و التشديد في ذلك و الوعيد بالعذاب لاعدائه، و الوعد بالجنة لأوليائه، لأكبر دليل علي تنبؤ الامام (ع) علي أن هناك فرقا ستميل و تنحاد عن جادة الصواب، و لن تعترف بامامته، كالاسماعيلية و الفطحية و الكيسانية و غيرهم.

و كانت ولادته (ع) علي أشهر الروايات في 7 صفر [3] سنة 128 ه، و قيل 129 [4] و في دلائل الامامة أنه ولد في ذي الحجة (و لكنه ضعيف) سنة 127 [5] .

ثم ان الامام (ع) أكمل مسيره الي المدينة مسرعا، و لعل ذلك لاجراء السنة و هي العقيقة في اليوم السابع، فأحب (ع) أن تكون عامة للناس، فوصل (ع) الي المدينة و أطعم الناس ثلاثا.



[ صفحه 24]



فعن منهال القصاب قال: «خرجت من مكة و أريد المدينة فمررت بالأبواء و قد ولد لأبي عبدالله موسي (ع) فسبقته الي المدينة و دخل بعدي بيوم فأطعم الناس ثلاثا، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئا الي الغد حتي أعود فآكل، فمكثت بذلك ثلاثا، أطعم حتي ارتفق، ثم لا أطعم شيئا الي الغد» [6] .

و هذه البركة في الطعام كانت من بركات الامام الكاظم (ع).

و سنة الاطعام عند ولادة المولود مما أقرها أهل البيت عليهم السلام.

فقد جعلوا العقيقة سنة مؤكدة فقد قال الامام الصادق (ع) «كل امري ء يوم القيامة مرتهن بعقيقته» [7] «و كل مولود مرتهن بعقيقته» [8] .

أما من ناحية الوليمة فقد روي أنه قال «ص»: لا وليمة الا في خمس: «في عرس أو خرس، أو عذار، أو وكار، أو ركاز، فالعرس التزويج، و الخرس النفاس بالولد، و العذار الختان، و الوكار الرجل يشتري الدار، و الركاز الرجل يقدم من مكة» [9] .

بل ان اطعام الطعام يورث المحبة و الرابطة بين أفراد المجتمع، و يوجد الالفة، و يفكك العداء و المشاحنة، و لعل بعض الحضور لا يملك قوتا أيضا. فعن الصادق (ع) «من أطعم مؤمنا حتي يشبعه لم يدر أحد من خلق الله، ماله من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب و لا نبي مرسل الا الله رب العالمين... ثم تلا قول الله تعالي «أو أطعام في يوم ذي مسغبة» [10] .


پاورقي

[1] الأبواء: منزل ما بين مكة و المدينة.

[2] المحاسن ص 354، البحار ج 48 ص 3، دلائل الامامة ص 146، الأنوار البهية ص 153، و هذه الرواية معتبرة عند كثير من علماء رجال الحديث، لما في سندها من قوة.

[3] الطبرسي في أعلام الوري ص 286، مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 323، أعيان الشيعة ج 2 ص 5، نورالأبصار 148.

[4] مسند الامام الكاظم (ع) ج 1 ص 3، الأنوار البهية ص 152، تذكرة الخواص ص 312.

[5] ص 146.

[6] المحاسن ص 418، الأنوار البهية ص 153.

[7] مكارم الأخلاق ص 226.

[8] مكارم الأخلاق ص 226.

[9] وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح و آدابه باب 40 ح 5.

[10] ميزان الحكمة ج 5 ص 539.