بازگشت

اتهام الامام باتهامات عدة


ورد عن الامام الكاظم (ع) أنه قال: لما أمر هارون الرشيد بحملي، دخلت عليه فسلمت فلم يرد السلام و رأيته مغضبا، فرمي الي بطومار فقال: اقرأه فاذا فيه كلام قد علم الله عزوجل براءتي منه، و فيه ان موسي بن جعفر يجبي اليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممن يقول بامامته، يدينون الله بذلك، و يزعمون أنه فرض عليهم الي أن يرث الله الأرض و من عليها، و يزعمون أنه من لم يذهب اليه بالعشر و لم يصل بامامتهم، و لم يحج باذنهم، و يجاهد بأمرهم، و يحمل الغنيمة اليهم، و يفضل الأئمة علي جميع



[ صفحه 96]



الخلق، و يفرض طاعتهم مثل طاعة الله و طاعة رسوله فهو كافر حلال ماله و دمه.

و فيه كلام شناعة، مثل المتعة بلا شهود، و استحلال الفروج بأمره و لو بدرهم، و البراءة من السلف، و يلعنون عليهم في صلاتهم، و يزعمون أن من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه، و من أخر الوقت فلا صلاة له لقول الله تبارك و تعالي: (أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) يزعمون أنه واد في جهنم، - و الكتاب طويل - و أنا قائم أقرأ و هو ساكت، فرفع رأسه و قال: اكتفيت بما قرأت فكلم بحجتك بما قرأته.

قلت: يا أميرالمؤمنين و الذي بعث محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة ما حمل الي أحد درهما و لا دينارا من طريق الخراج، لكنا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم في قوله «لو أهدي الي كراع لقبلت، و لو دعيت الي ذراع لأجبت، و قد علم أميرالمؤمنين ضيق ما نحن فيه، و كثرة عدونا، و ما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب، فضاق بنا الأمر، و حرمت علينا الصدقة، و عوضنا الله عزوجل عنها الخمس و اضطررنا الي قبول الهدية، و كل ذلك مما علمه أميرالمؤمنين، فلما تم كلامي سكت.

ثم قلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم فكأنه اغتنمها، فقال: مأذون لك، هاته! فقلت: حدثني أبي عن جدي يرفعه الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «ان الرحم اذا مست رحما تحركت و اضطربت فان رأيت أن تناولني يدك، فأشار بيده الي».

ثم قال: ادن. فدنوت فصافحني و جذبني الي نفسه مليا ثم فارقني و قد دمعت عيناه فقال لي: اجلس يا موسي، فليس عليك بأس، صدقت و صدق جدك و صدق النبي صلي الله عليه و آله و سلم لقد تحرك دمي، و اضطربت عروقي، و أعلم أنك لحمي و دمي، و أن الذي حدثتني به صحيح، ثم انه سأله بعض الأسئلة... ثم قال: ارفع حوائجك يا موسي فقلت: يا أميرالمؤمنين أول حاجتي اليك أن تأذن لي في الانصراف الي أهلي، فاني تركتهم باكين آيسين من أن يروني أبدا...

فقال: مأذون لك، ازدد؟ فقلت: يبقي الله أميرالمؤمنين لنا معاشر



[ صفحه 97]



بني عمه. فقال؛ ازدد؟ فقلت: علي عيال كثير، و أعيننا بعد الله ممدودة الي فضل أميرالمؤمنين و عادته، فأمر لي بمائة ألف درهم، و كسوة و حملني و ردني الي أهلي مكرما.

لم يكن هارون يعبأ بالحكم الشرعي اذا لم نقل كان جاهلا، فهل أن الغضب يجيز له ترك جواب السلام؟

أما الطومار (الكتاب) فقد لا يكون بدعة و افتراء من هارون، بل من الوشاة الذين يزدلفون قربي لهارون باذيتهم لذوي القربي.

أما قول الامام (ع) قد علم الله عزوجل براءتي منه مع أن أكثر ما فيه مما تقول فيه الشيعة الامامية.

نعم الحج لا يحتاج الي اذنهم (ع) بعد كونه ضروريا بفرضه و مستحبا بنفله. و لكن من لم يأت بما ذكر، ليس بكافر حلال المال و الدم - معاذ الله - فهو و ان كان مسلما، و لكن فاسقا يستحق العقاب.

أما لعن السلف و من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه، و من أخر الوقت فلا صلاة له، فالشيعة من هذا القول براء، بل كان يقول علي (ع) اني أكره لم أن تكونوا سبابين.

و من أخر الصلاة حتي خرج وقتها، لا مجرد التأخير، مع بقائه في الوقت.

لكن الامام (ع) يقول علم الله عزوجل براءتي منه، أي ممن وشي و سعي بي بهذا الكلام الي هارون، فالتورية في هذا المقام ان لم تكن واجبة فهي جائزة.

أما قوله (ع) ما حمل الي أحد درهما و لا دينارا من طريق الخراج [1] .

و ذلك لأن الأراضي اما أن تكون مواتا فهذه من الأنفال و هي للامام اجماعا، و هذه اذا أحياها الشيعي لا يجب فيها الخراج، و قد قال أهل البيت (ع) ما كان لنا فهو لشيعتنا، و قد حلل الأئمة بعد أميرالمؤمنين (ع)



[ صفحه 98]



ذلك لشيعتهم لسهولة الأمر و طيب الولادة.

و هذا متفق عليه في حال الغيبة، أما في حال الحضور ففيه خلاف عند الفقهاء.

فالامام (ع) لأنه لم يكن مبسوط اليد، فقد لا يري وجوبها و يحلل ذلك لشيعته.

و اما أن تكون الأراضي مفتوحة عنوة فلابد أن يؤدي خراجها لأنها ملك المسلمين، و اذا دفعها الي السلطان الجائر فقد برئت ذمة الدافع، و ما دام الامام (ع) يري بأن عمال السلطان يجبونها بالقهر و القوة، و الا عرض الممتنع عن اخراجها الي التنكيل و التعذيب، فانه (ع) لا يفرضها علي شيعته ثانية [2] .

و أما قوله نقبل الهدية التي أحلها الله... فالظاهر من قوله (ع) أنه عبر عن الخمس بأنها هدية من الله تعالي لأهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد أن حرم عليهم الزكاة فهم يقبلون هذه الهدية، و لم يذكر رفضه للخمس (ع) أو عدم جبايته له، بل قال في رواية أخري «و لو حملوا الينا زكاة و علمنا أنها زكاة لرددناها، فان كانت هدية قبلناها» [3] ثم حاول تهدئته بقوله (ع) ان رأي أميرالمؤمنين - مخاطبته بالامرة - لابن عمه تذكيره بالقرابة و الرحم، فذكر له حديث مس الرحم.

و أما قوله (ع) و أعيننا بعد الله ممدودة الي فضل أميرالمؤمنين و عادته، فقد يراد بها أميرالمؤمنين علي (ع) في الباطن، و قد فهم منها هارون نفسه فأكرمه، و التقية لها مورد في المقام، و الا ففي عدة روايات كانوا (ع) يرفضون الأموال تحديا و اعلانا للحرب.



[ صفحه 99]



و في حديث آخر أن الامام (ع) لما دخل علي الرشيد قال له: يا موسي بن جعفر خليفتين يجبي اليهما الخراج؟! فقال (ع) يا أميرالمؤمنين أعيذك بالله أن تبؤ باثمي و اثمك، و تقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما علم ذلك عندك، فان رأيت بقرابتك من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن تأذن لي أن أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال: قد أذنت لك.

فأخبره (ع) حديث مس الرحم، فهدأ هارون و أجلس الامام بجانبه و عانقه و بكي! فقد رأي الامام شدة غيظه و حنقه و غضبه فلذا بادره بقوله أعيذك بالله أن تبوء باثمي و اثمك، أي كما قتل قابيل أخاه هابيل، و تحمل اثمه و اثم أخيه لظلمه له، فلا تكن مثله، و مع أن الامام (ع) لا اثم عليه لعصمته و لكنه مجاراة لهارون كما قال صلي الله عليه و آله و سلم «و اني و اياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين» فساوي نفسه معه.

و مدحه (ع) بالعلم بحقيقة المظلومية التي عاناها أهل البيت، ليكن ذلك حافزا لتصديقه.

ثم ان الاذن في تحديثه عن رسول الله لا عن نفسه، ليبعد الفخر عن نفسه الذي ينعته به هارون، فأحالته الي الينبوع الأساسي يبعد التهمة عن نفسه بادعائه العلم و المعرفة.


پاورقي

[1] الخراج: الضريبة علي الأرض لأنها كالمستأجرة.

[2] مصباح الفقاهة للسيد الخوئي ج 5، ص 126 و ما بعد، مهذب الأحكام ج 16 ص 208، المكاسب المحرمة للامام الخميني ج 2 ص 279، جواهر الكلام ج 16 ص 137، العروة الوثقي ج 2 ص 117، المكاسب المحرمة للأنصاري ص 75، وسائل الشيعة باب اباحة حصة الامام من الخمس للشيعة مع تعذر ايصالها، كتاب الخمس أبواب الأنفال باب 4.

[3] فرج المهموم ص 107.