بازگشت

افتخار الامام بأبوة رسول الله


انقض هارون علي الحكم، و موه علي شعبه مع آبائه، بأن الأحقية بالخلافة اليهم لكونهم أولاد عم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فكانوا يتبجحون بهذا في النوادي و البوادي. و في سنة 177 أو 179 علي أكثر الروايات حج هارون بيت الله الحرام، و ورد الي مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاستقبله الامام الكاظم (ع) علي دابة متواضعة، فانزعج من ذلك الرشيد، اذ كان عليه أن يهيأ مراسم ضخمة، أو ناقة أصيلة، فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أميرالمؤمنين؟ و أنت ان تطلب علهيا لم تلحق، و ان طلبت عليها لم تفت؟ فقال: انها تطأطأت عن خيلاء الخيل، و ارتفعت



[ صفحه 100]



عن ذلة العير، و خير الأمور أوساطها [1] و قد كان استقباله له مجاملة للسلطان و مداراة و تقية.

ثم تحول هارون الي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاجتمع مع الامام موسي بن جعفر عند القبر الشريف، فقال هارون للنبي صلي الله عليه و آله و سلم: «السلام عليك يابن العم افتخارا علي من حوله» فدنا الامام من القبر و قال: السلام عليك يا أبه، فتغير وجه الرشيد، و لم يحتملها، ثم قال: «والله يا أباالحسن هذا هو الفخر و الشرف حقا» [2] .

لقد كان الامام بين موقف دفاعي تارة و هجومي تارة أخري، ففي افتخار هارون علي من حوله بقرابته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تمويه علي الرعية بأنه أهل لهذا المنصب، فبادر الامام مهاجما بكلمة حق قائلا: «يا أبه» فهو يقول اذن انك غاصب لمقامي، اذا كنت تدعي أن القرب من رسول الله هو الذي أحلك هذا المقام، فلم تكن وظيفة الامام مقتصرة علي نشر العلوم فحسب، بل هي حفظ خط الامامة بشتي الأساليب، و التي منها نشر الثقافة الاسلامية.

و في كامل الزيارات لما سمع هارون ذلك قال لعيسي بن جعفر سمعت ما قال؟ قال: نعم. فقال هارون: أشهد أنه أبوه حقا [3] .

و كانت هذه المقالة من الامام (ع) أحد الأسباب التي دعت هارون الي اعتقال الامام (ع) في سجونه.

فلما جن الليل عاود الرشيد قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فوقف عند قبره كالمخاطب له: «بأبي أنت و أمي يا رسول الله اني أعتذر اليك من أمر عزمت عليه و اني أريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه، لأني قد خشيت



[ صفحه 101]



أن يلقي بين أمتك حربا تسفك فيها دماؤهم» فلما كان من الغد أرسل اليه الفضل بن الربيع و هو قائم يصلي في مقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فأمر بالقبض عليه و حبسه [4] .

و كانت هذه المكيدة من حيل الرشيد التي موه بها علي العامة، بأنه يتورع لكن من اراقة الدماء، آل أبي طالب يطلبون الحكم بالجور، فلذا الطريقة الفضلي التي يرضي بها الله و رسوله هي السجن بدل القتل علي حد زعمه.

و في بعض الروايات أنه قطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي - بكاء الامام (ع) لغاية في نفسه، و هي تحريك مشاعر الناس عامة و شيعته خاصة، و بالأخص بعد ما قطعت عليه صلاته، التي يحرم قطعها الا لضرورة، فهم لا يرعون حرمة للدين، لا لله و لا لرسوله، فأين الجهاد الذي استبسل له الأوائل أذهب سدي!!! اضافة الي تشهيرهم بين الرعية، لأن هذا الموقف من الامام (ع) ليتناقل بالألسنة أشد من اللهب في القصب، فلذا ضجت الناس بالبكاء و الصياح و تفاعلت مع الامام (ع)، اذ أن الضمائر هزت و استيقظت من سباتها حينئذ - و يقول: «اليك أشكو يا رسول الله ما ألقي، و أقبل الناس من كل جانب يبكون و يضجون، فلما حمل بين يدي الرشيد سلم علي الرشيد فلم يرد، و شتمه و جفاه و قيده، فلما كان الليل أمر بقبتين فهيئتا له، فحمل موسي في احداهما و وجهت واحدة الي البصرة و كان الامام بها و سلم الي عيسي بن جعفر بن أبي جعفر المنصور، و وجه الأخري الي الكوفة ليعمي علي الناس أمره (ع).

و لكن شاع أمر الامام أنه في البصرة لأن حسان السروي - رسول الرشيد - دفعه الي عيسي بن جعفر علانية في النهار [5] .


پاورقي

[1] بحارالأنوار ج 48 ص 158 - 103، الفصول المهمة ص 239.

[2] الكامل في التاريخ ج 34 ص 59، تذكرة الخواص ص 314، بحارالأنوار ج 48 ص 136، الصواعق المحرقة ص 204، رسالة الصبان ص 227، الاحتجاج ج 2 ص 165، نورالأبصار ص 151، مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 320، روضة الواعظين ص 184.

[3] الكامل في التاريخ ج 4 ص 18.

[4] بحارالأنوار ج 48 ص 213، عيون الأخبار ج 1 ص 73، الارشاد ص 280، مقاتل الطالبيين ص 334، الفصول المهمة ص 239، نور الأبصار ص 151، كشف الغمة ج 3 ص 24.

[5] الأنوار البهية ص 163.