بازگشت

دعاء الامام للتخلص من السجن


عن علي بن ابراهيم بن هاشم قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول؛ لما حبس هارون الرشيد موسي بن جعفر (ع) جن عليه الليل، فخاف ناحية هارون أن يقتله فجدد موسي طهوره، و استقبل بوجهه القبلة، و صلي لله عزوجل أربع ركعات، ثم دعي بهذه الدعوات فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون و خلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رمل و طين و ماء، و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم، و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم، و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر، و يا مخلص الروح من بين الأحشاء و الأمعاء خلصني من يدي هارون، قال: فلما دعا موسي (ع) بهذه الدعوات رأي هارون رجلا أسودا في منامه و بيده سيف و قد سله واقفا علي رأس هارون و هو يقول: يا هارون أطلق عن موسي بن جعفر و الا ضربت علاوتك بسيفي هذا، فخاف هارون من هيبته ثم دعا حاجبه، فجاء الحاجب فقال له: اذهب الي السجن و أطلق عن موسي بن جعفر (ع).

قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن، فأجابه صاحب السجن فقال: من ذا؟ قال: ان الخليفة يدعو موسي بن جعفر فأخرجه من سجنك و أطلق عنه، فصاح السجان يا موسي ان الخليفة يدعوك، فقام موسي (ع) مذعورا فزعا و هو يقول: لا يدعوني في جوف هذه الليلة الا لشر يريد بي فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته، فجاء الي عند هارون فقال: سلام علي هارون فرد عليه سلامه.

ثم قال له هارون: ناشدتك بالله هل دعوت الله في جوف هذه الليلة بدعوات؟ فقال: نعم. قال: و ما هن؟ قال: جددت طهورا و صليت لله عزوجل و رفعت طرفي الي السماء، و قلت: يا سيدي خلصني من يدي هارون و شره، و ذكر له ما كان من دعائه، فقال هارون قد استجاب الله دعوتك. يا حاجب أطلق عن هذا ثم دعا بخلع، فخلع عليه ثلاثا و حمله علي فرسه و أكرمه و صيره نديما لنفسه.

ثم قال: هات الكلمات حتي أثبتها، ثم دعا بدواة و قرطاس و كتب هذه الكلمات، قال: فأطلق عنه و سلمه الي حاجبه ليسلمه الي الدار، فصار



[ صفحه 107]



موسي بن جعفر (ع) كريما شريفا عند هارون و كان يدخل عليه في كل خميس [1] .

أما أدعية أهل البيت (ع) للخلاص من السجن و خوف القتل، فللجوء الي الله تعالي المدير لشؤونهم في كل حاجاتهم، مع اعطاء دروس للأمة بأن الله بالمرصاد لكل من تعدي حدود الله، و ان علي رعيتهم اللجوء الي الدعاء في الشدائد.

فليس الخوف من القتل بما هو، بل القتل لهم عادة و كرامتهم من الله الشهادة، و هل أنهم يودون لو يعمرون ألف سنة؟!!

كيف و قد ذم الله تعالي بني اسرائيل بحبهم للحياة حتي قال لهم «فتمنوا الموت ان كنتم صادقين» [2] .

انما (ع) يودون و يحبون عبادة ربهم ليكتسبوا أكبر ربح ممكن من التجارة التي يسرها لهم ربهم، مع علمهم أن القضاء اذا أبرم، لا يحله ملك أو سلطان.

اضافة الي اظهار كرامة و معجزة للامام بمرأي و مسمع من هارون، لتكون عبرة و نهيا عن المنكر، مع اظهار حقيقة أهل البيت (ع) من خلال ذلك.

لكن مع هذا كله. لم يرده الي المدينة، بل أبقاه تحت نفوذه و عينه، ليقيده و يشل حركته.

الدعاء الثاني لخلاصه من السجن

يظهر من الروايات و الأدعية المختلفة للامام (ع) أن هارون قد سجن الامام مرات عديدة و كان يطلقه في خلالها بالأدعية و ما أشبه.

فعن الفضل بن الربيع قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني



[ صفحه 108]



ذلك، فقالت الجارية: لعل هذا من الريح، فلم يمض الا يسير حتي رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، و اذا مسرور الكبير قد دخل علي فقال لي: أجب الأمير، و لم يسلم علي.

فيئست من نفسي و قلت: هذا مسرور و دخل الي بلا اذن و لم يسلم، ما هو الا القتل، و كنت جنبا فلم أجسر أن أسأله انظاري حتي أغتسل، فقالت لي الجارية: لما رأت تحيري و تبلدي: ثق بالله عزوجل و انهض، فنهضت، و لبست ثيابي، و خرجت معه، حتي أتيت الدار فسلمت علي أميرالمؤمنين و هو في مرقده فرد علي السلام فسقطت فقال: تداخلك رعب؟ قلت: نعم يا أميرالمؤمنين، فتركني ساعة حتي سكنت، ثم قال لي: صر الي حبسنا فأخرج موسي بن جعفر بن محمد و ادفع اليه ثلاثين ألف درهم، و اخلع عليه خمس خلع، و احمله علي ثلاثة مراكب، و خيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا الي أي بلد أراد و أحب. فقلت: يا أميرالمؤمنين! تأمر باطلاق موسي بن جعفر؟ قال: فكررت ذلك عليه ثلاث مرات، فقال لي: نعم ويلك أتريد أن أنكث العهد؟...

فقلت: يا أميرالمؤمنين و ما العهد؟ قال: بينا أنا في مرقدي هذا اذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم منه، فقعد علي صدري، و قبض علي حلقي و قال لي: حبست موسي بن جعفر ظالما له؟ فقلت: فأنا أطلقه و أهب له، و أخلع عليه، فأخذ علي عهد الله عزوجل و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي تخرج.

فخرجت من عنده و وافيت موسي بن جعفر و هو في حبسه، فرأيته قائما يصلي فجلست حتي سلم ثم أبلغته سلام أميرالمؤمنين و أعلمته بالذي أمرني به في أمره، و أني قد أحضرت ما وصله به فقال: ان كنت أمرت بشي ء غير هذا فافعله؟ فقلت: لا و حق جدك رسول الله ما أمرت الا بهذا. فقال لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال اذا كانت فيه حقوق الأمة فقلت: ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ، فقال: اعمل به ما أحببت، و أخذت بيده (ع) و أخرجته من السجن.

ثم قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل، فقد وجب حقي عليك لبشارتي اياك، و لما أجراه



[ صفحه 109]



الله عزوجل علي يدي من هذا الأمر. فقال (ع): رأيت النبي صلي الله عليه و اله و سلم ليلة الأربعاء في النوم فقال لي: يا موسي أنت محبوس مظلوم؟ فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم، فكرر علي ذلك ثلاثا، ثم قال: «و ان أدري لعله فتنة لكم و متاع الي حين» أصبح غدا صائما و أتبعه بصيام الخميس و الجمعة، فاذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد و اثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد، فاذا صليت منها أربع ركعات فاسجد و قل: يا سابق الفوت، يا سامع كل صوت، يا محيي العظام و هي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي علي محمد عبدك و رسولك و علي أهل بيته الطيبين الطاهرين، و أن تعجل لي الفرج مما أنا فيه، ففعلت فكان الذي رأيت [3] .

فهذا الاكرام و العطاء الذي لم يكن مألوفا و معروفا من هارون، جعل حاجبه الفضل متعجبا متسائلا مكررا القول ثلاثا، مع الفزع الذي داهمه و استولي عليه، لأنه أعرف بسيرته و سريرته، فعند ذلك أظهر ما كتمه من الحلم المرعب.

و الاطمئنان النفسي الذي كان يعيشه الامام (ع) جعله لا يعبأ بكيد هارون و مكره، بل قال: «ان كنت أمرت بشي ء غير هذا فافعله».

ثم رفض الامام (ع) الأموال و الخلع كما رفضها أيضا في الرواية السابقة، فالامام (ع) كان يقبل الأموال أحيانا لضرورة تقتضي ذلك، كما قال له يوما «والله لو لا أني أري أن أزوج بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها» [4] .

و لكنه كان يرفضها أحيانا اما لاستغنائه عنها أو احتياطه منها انما رفضه للأموال غالبا كان تحديا للسلطة الغاشمة، و موقفا صارما بأن محبتكم التي تدعونها باعطائنا الأموال التي تحجمنا عن المطالبة بالحق المهدور و المغصوب منا أهل البيت، لهي مزيفة و مقنعة، فاذا كانت حقيقة فأين حقوقنا أجمع؟!



[ صفحه 110]



الدعاء الثالث

في مهج الدعوات باسناد صحيح عن عبدالله بن مالك الخزاعي قال: دعاني هارون الرشيد فقال: يا أباعبدالله كيف أنت و موضع السر منك؟ فقلت: يا أميرالمؤمنين ما أنا الا عبد من عبيدك، فقال: امض الي تلك الحجرة و خذ من فيها، و احتفظ به الي أن أسألك عنه، قال: فدخلت فوجدت موسي بن جعفر (ع) فلما رآني سلمت عليه و حملته علي دابتي الي منزلي فأدخلته داري، و جعلته مع حرمي و قفلت عليه، و المفتاح معي و كنت أتولي خدمته، و مضت الأيام فلم أشعر الا برسول الرشيد يقول: أجب أميرالمؤمنين.

فنهضت و دخلت عليه و هو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش، فسلمت عليه فلم يرد، غير أنه قال ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال، فقال: ما فعل صاحبك؟ فقلت: صالح، فقال: امض اليه و ادفع اليه ثلاثة آلاف درهم، و اصرفه الي منزله و أهله، فقمت و هممت بالانصراف، فقال لي: أتدري ما السبب في ذلك و ما هو؟ قلت: لا يا أميرالمؤمنين، قال: نمت علي الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي: يا هارون أطلق موسي بن جعفر فانتبهت فقلت: لعلها لما في نفسي منه، فقمت الي هذا الفراش الآخر، فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون أمرتك أن تطلق موسي بن جعفر فلم تفعل.

فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم قمت الي هذا الفراش الذي أنا عليه و اذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة، كأن أولها بالمشرق و آخرها بالمغرب، و قد أوما الي و هو يقول: والله يا هارون لئن لم تطلق موسي بن جعفر لأضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك، فأرسلت اليك فامض فيما أمرتك به و لا تظهره الي أحد فأقتلك فانظر لنفسك.

قال: فرجعت الي منزلي و فتحت الحجرة، و دخلت علي موسي بن جعفر (ع) فوجدته قد نام في سجوده، فجلست حتي استيقظ و رفع رأسه و قال: بالله و بحق جدك رسول الله هل دعوت الله عزوجل في يومك هذا بالفرج؟ فقال: أجل اني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: «ادع بهذا الدعاء» يا سابغ النعم، يا دافع



[ صفحه 111]



النقم، يا باري ء النسم، يا مجلي الهمم، يا مغشي الظلم، يا كاشف الضر و الألم، يا ذا الجود و الكرم، و يا سامع كل صوت، و يا مدرك كل فوت، و يا محيي العظام و هي رميم، و منشئها بعد الموت، صل علي محمد و آل محمد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا يا ذا الجلال و الاكرام». فلقد دعوت به و رسول الله يلقنيه سمعتك، فقلت: قد استجاب الله فيك ثم قلت له ما أمرني به الرشيد، و أعطيته ذلك [5] .

فهارون كان يسجن الامام غالبا عند مقربيه سرا، حتي لا يعلم به أصحاب الامام (ع) فيلتقون به سرا و يوجهون اليه مسائلهم و... أوقد يحاولون حسب ظنه تخليصه فيهرب و يمكر به و... فكان ينقله من سجن الي سجن و لا يبقي في سجن واحد. و لم يجرؤ أحد سواء كان من مقربي الامام، أو من مقربي هارون، أن يتفاوض مع هارون لخلاص الامام أو يتفوه بذلك و الا كان نصيبه القتل، أو الخفوف. فلذا لم يكن من مخرج الا أن تتدخل المعجزة الالهية بترعيب هارون برؤياه المتكررة لخلاصه بين الآونة و الأخري.

و قيل للامام (ع) و هو في السجن: لو كتبت الي فلان يكلم فيك الرشيد؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه أن الله عزوجل أوحي الي داود: يا داود! انه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، عرفت ذلك منه، الا و قطعت عنه أسباب السماء، و أسخت الأرض من تحته» [6] .

فكانت الأدعية من الأئمة (ع) احدي الوسائل التربوية، التي تتضمن أمورا مختلفة، سياسية و عقائدية، و أخلاقية، و اقتصادية و... و في قوله (ع) «ما اعتصم... لأكبر شاهد علي عدم جواز الانحياز و الانقياد و التوسل الي الحكام، بحجة أو بغية الوصول الي المراكز الاجتماعية. أو لقمة العيش، أو... لأن الله هو الذي تكفل بعبده ما دام يسعي جاهدا في الأمور المحللة.



[ صفحه 112]




پاورقي

[1] أمالي الصدوق ص 90، مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 306، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 93.

[2] الجمعة / 6.

[3] بحارالأنوار ج 48 ص 214، عيون الأخبار ج 1 ص 73.

[4] المصدر السابق.

[5] منهج الدعوات ص 245، مروج الذهب ج 3 ص 356 (باختلاف يسير) الصواعق المحرقة ص 204.

[6] اليعقوبي ج 2 ص 414.