بازگشت

احترام الرشيد للامام


في رواية حسنة (ان لم تكن صحيحة) عن الريان بن شبيب قال: سمعت المأمون: ما زلت أحب أهل البيت (ع) و أظهر للرشيد بغضهم تقربا اليه، فلما حج الرشيد كنت أنا و محمد و القاسم معه، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس، فكان آخر من أذن له موسي بن جعفر (ع) فدخل فلما نظر اليه الرشيد، تحرك و مد بصره و عنقه اليه، حتي دخل البيت الذي كان فيه، فلما قرب منه جثا الرشيد علي ركبتيه و عانقه ثم أقبل عليه، فقال له كيف أنت يا أباالحسن كيف عيالك، كيف عيال أبيك كيف أنتم ما حالكم، فما زال يسأله عن هذا و أبوالحسن (ع) فقعد و عانقه، فسلم عليه و ودعه، قال المأمون: و كنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خرج موسي بن جعفر قلت لأبي يا أميرالمؤمنين لقد عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلت بأحد من أبناء المهاجرين و الأنصار و لا ببني هاشم، فمن هذا الرجل؟

فقال: يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسي بن جعفر بن محمد، ان أردت العلم الصحيح، فعند هذا. قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبهم [1] .

فقد كانوا يكنون و يقرون لهم بالعلم و الفهم، و لكن الملك عقيم. بل كان يسأله موعظته، فقد كتب هارون الرشيد الي أبي الحسن موسي بن جعفر عظني و أوجز قال: فكتب اليه: ما من شي ء تراه عينك الا و فيه موعظة. و من المؤكد أن هذا اما تزلفا و تقربا للامام ليري منه الهدي و التقي و التوبة، و اما للرعية، و الا سيرته لا تخفي علي ذي بصيرة.

بل يحتمل أن هارون كان يظهر محبة للامام أمام الجموع الحاشدة، و خاصة في الحج و اغتصاص باب هارون بالوفود الحاشدة.

و هذه الحيل المزورة التي كان يزدلف هارون بها للعامة، لم تكن لتخفي سريرته اذ أنه لم يأذن للامام الا آخر الناس، فهل يليق بالامام



[ صفحه 115]



الانتظار علي بابه؟! و لم تمض فترة يسيرة الا و سم الامام (ع) لأن هذه الواقعة كانت في أواخر حياة الامام (ع) اذ أن المأمون قد ولد في اليوم الذي ملك فيه هارون الرشيد، و قد عاش الامام (ع) في خلافة هارون ثلاثة عشر سنة علي المشهور، و علي هذا قد كان المأمون حينئذ فتي. بل يحتمل أن هذا التزلف للامام (ع) لرفع هارون التهمة عن نفسه بقتل الامام بعد ما عزم علي قتله و دبر الحيلة في ذلك و خاصة بعد ما ورد أنه بعد ما أطلقه من السجن لرؤيا هالته، صار بعدها كريما شريفا عنده، ثم حبسه بعدها و قتله علي يدي السندي!!

و روي الطبرسي في الاحتجاج قول المأمون: أتدرون من علمني التشيع؟ فقال القوم: لا والله ما نعلم ذلك. قال: علمنيه الرشيد! قيل له: و كيف ذلك و الرشيد يقتل أهل البيت؟

قال كان الرشيد يقتلهم علي الملك لأن الملك عقيم، ثم قال: انه دخل موسي بن جعفر (ع) علي الرشيد يوما فقام اليه، و استقبله و اجلسه في الصدر و قعد بين يديه، و جري بينهما أشياء.

ثم قال موسي بن جعفر (ع) لأبي: يا أميرالمؤمنين ان الله عزوجل قد فرض علي ولاة عهده: أن ينعشوا فقراء هذه الأمة، و يقضوا عن الغارمين، و يؤدوا عن المثقل، و يكسوا العاري، و يحسنوا الي العاني، و أنت أولي من يفعل ذلك. فقال: أفعل يا أباالحسن.

ثم قام فقام الرشيد لقيامه، و قبل بين عينيه و وجهه ثم أقبل علي و علي الأمين و المؤتمن فقال: يا عبدالله و يا ابراهيم و يا محمد. امشوا بين يدي ابن عمكم و سيدكم، خذوا بركابه، و سووا عليه ثيابه، و شيعوه الي منزله، فاقبل الي أبوالحسن موسي بن جعفر (ع) سرا بيني و بينه فبشرني بالخلافة، و قال لي: «اذا ملكت هذا الأمر فأحسن الي ولدي».

ثم انصرفنا و كنت أجرأ ولد أبي علي، فلما خلا المجلس قلت: يا أميرالمؤمنين، من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته، و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته، و أقعدته في صدر المجلس، و جلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟



[ صفحه 116]



قال: هذا امام الناس، و حجة الله علي خلقه، و خليفته علي عباده، فقلت: يا أميرالمؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟

قال: أنا أمام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر، و موسي بن جعفر امام حق، والله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله مني و من الخلق جميعا، و والله لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، لأن الملك عقيم.

فلما أراد الرحيل من المدينة الي مكة، أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار ثم أقبل علي الفضل فقال له: اذهب الي موسي بن جعفر و قل له: يقول لك أميرالمؤمنين: نحن في ضيقة و سيأتيك برنا بعد هذا الوقت.

فقمت في وجهه فقلت: يا أميرالمؤمنين! تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني هاشم و من لا تعرف حسبه و نسبه: خمسة آلاف دينار الي ما دونها، و تعطي موسي بن جعفر و قد عظمته و أجللته مائتي دينار، و اخس عطية أعطيتها أحدا من الناس؟

فقال: اسكت لا أم لك! فاني لو أعطيته هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه، و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم و أغنائهم [2] .

اغتنام الفرص للامام ليعظ هارون بالاحسان الي الرعية، من أجمل أوقات حياة الامام (ع) لأنه كان يشعر بأنه استطاع ايصال الحق بكلمة لعلها تصيب قلبا ينتعش بسماعها، و خاصة أنه وعظ المأمون أيضا بالاحسان الي الرضا (ع). و الرشيد يعلم بأحقية أهل البيت (ع) لأنه لم يرد احتجاج منه مع الامام الا و أقر به، و رضخ له، و لم يعهد له تكذيب للامام، بل أقر غير مرة أن الكاظم هو امام حق، و لكن الحسد و حب الذات (الأنا) و الملك جعله يزج الامام في السجون و يتخلص منه بقتله.

بل هارون مستعد لأن يقتل فلذة كبده و قرة عينه اذا نازعه علي الملك فكيف بالامام؟!

و فلتات اللسان تظهر من الانسان بغلبة النسيان، و من هنا قال هارون



[ صفحه 117]



أنا امام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر، و فقر هذا و أهل بيته أسلم الي و لكم من بسط أيديهم و اغنائهم...

أما عدم معرفة المأمون بالامام (ع) فلاقامته (ع) سنينا طويلة في السجن، مع صغر سن المأمون.


پاورقي

[1] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 93، الارشاد ص 280، بحارالأنوار ج 48 ص 129.

[2] بحارالأنوار ج 48 ص 131.