بازگشت

اقرار بعض مقربيه للعمل في أجهزة السلطة و أدوارهم


و كان القلق يزاول ضمائر مريدي أهل البيت (ع) و محبيهم جراء انتمائهم الي أجهزة السلطة الغاشمة، فلذا كانت الأسئلة تتوالي علي الامام (ع) بجواز البقاء في سلك الدولة؟ أو هل يجب التبرؤ فعلا و قولا من العمل تحت رايتهم؟ فما كان من الامام (ع) الا النظرة المستقبلية الواعية التي تبيح بل توجب أحيانا العمل مع أجهزة الدولة، لئلا يكون للمنافقين وحدهم الدور البارز، مما يحدو بكثير منهم التسلط الكامل علي رقاب المؤمنين، أما وجود ثلة تكتم مذهبها الشيعي مما يؤدي الي الحفاظ علي بعض الشيعة أو قضاء حوائجهم من خلال ذلك، فهذا مما يرغب به الامام (ع).

فقد ورد في كتاب حقوق المؤمنين، قال: استأذن علي بن يقطين مولاي الكاظم (ع) في ترك عمل السلطان فلم يأذن له، و قال: لا تفعل فان لنا بك أنسا، و لأخوانك بك عزا، و عسي أن يجبر الله بك كسرا، و يكسر بك فائرة المخالفين عن أوليائه، يا علي كفارة أعمالكم الاحسان الي اخوانكم، اضمن لي واحدة، أضمن لك ثلاثا، اضمن لي أن لا تلقي أحدا من أوليائنا الا قضيت حاجته و أكرمته، و أضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبدا، و لا ينالك حد سيف أبدا، و لا يدخل الفقر بيتك أبدا، يا علي من سر مؤمنا، فبالله بدأ و بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم ثني و بنا ثلث [1] .



[ صفحه 130]



و لكن الظاهر أن عليا لم يف تماما بقضاء حوائج المؤمنين، و يمكن أن يكون ذلك للقلق و الخوف الشديدين اللذين كان يعاني منهما، فلذا سجن بعد ذلك بأمر من هارون.

و روي علي بن يقطين أنه كتب الي أبي الحسن (ع) ان قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان - و كان وزيرا لهارون - فان أذنت لي جعلني الله فداك هربت منه؟ فرجع الجواب: لا آذن لك بالخروج من عملهم و اتق الله أو كما قال [2] .

و لما قدم أبوابراهيم موسي بن جعفر (ع) العراق، قال علي بن يقطين: أما تري حالي و ما أنا فيه؟ فقال: يا علي ان لله تعالي أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه و أنت منهم يا علي [3] .

و عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن (ع): ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: ان كنت لابد فاعلا، فاتق أموال الشيعة قال الراوي، فأخبرني علي أنه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردها عليهم في السر [4] .

ففي هذه الرواية أباح له الامام (ع) العمل معهم بهذا الشرط، و لعل هذا كان في بداية عمله معهم، و الا فانه (ع) لم يأذن له بالخروج من بلاطهم بعد ذلك كما ذكرنا.

و قال (ع): «ان قوما يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا، فهم الآمنون يوم القيامة، ان كنت لأري فلانا منهم» [5] .

فالامام (ع) أوجب عليه البقاء مع الظلمة، لأنه رآه أهلا لقضاء حوائج المؤمنين علي يديه.

و قد يبيح الامام (ع) البقاء، و ذلك باقراره و عدم نهيه.

فعن محمد بن سالم قال: لما حمل سيدي موسي بن جعفر (ع) الي



[ صفحه 131]



هارون، جاء اليه هشام بن ابراهيم العباسي فقال له: يا سيدي قد كتب لي صك الي الفضل بن يونس، تسأله أن يروج أمري؟ قال: فركب اليه أبوالحسن (ع) فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي أبوالحسن موسي بالباب فقال: فان كنت صادقا فأنت حر و لك كذا و كذا.

فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتي خرج اليه، فوقع علي قدميه يقبلهما، ثم سأله أن يدخل فدخل، فقال له: اقض حاجة هشام بن ابراهيم، فقضاها... [6] .

فمن خلال وجود مولي الامام (ع) في السلطة استطاع هشام أن يسأل الامام ليكون واسطة بينه و بين الفضل بقضاء حاجته، و من عظم قدر الامام في عيني الفضل أعتق مولاه، فلذا هل من المعقول أن يكون الفضل من رجال الدولة دون اذن أو اشارة من الامام (ع)؟

و من كتاب قضاء حقوق المؤمنين باسناده عن رجل من أهل الري قال: ولي علينا بعض كتاب يحيي بن خالد، و كان علي بقايا يطالبني بها، و خفت من الزامي اياها خروجا عن نعمتي، و قيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي اليه فلا يكون كذلك، فأقع فيا لا أحب، فاجتمع رأيي علي أني هربت الي الله تعالي و حججت و لقيت مولاي الصابر - موسي بن جعفر - فشكوت حالي اليه، فأصحبني مكتوبا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه الا من أسدي الي أخيه معروفا أو نفس عنه كربه، أو أدخل علي قلبه سرورا، و هذا أخوك و السلام.

قال: فعدت من الحج الي بلدي، و مضيت الي الرجل ليلا، و استأذنت عليه و قلت: رسول الصابر (ع) فخرج الي حافيا ماشيا، ففتح لي بابه، و قبلني و ضمني اليه، و جعل يقبل بين عيني، و يكرر ذلك، كلما سألني عن رؤيته، و كلما أخبرته بسلامته، و صلاح أحواله استبشر، و شكر الله، ثم أدخلني داره، و صدرني في مجلسه و جلس بين يدي، فأخرجت اليه كتابه (ع) فقبله قائما و قرأه ثم استدعي بماله و ثيابه، فقاسمني دينارا دينارا،



[ صفحه 132]



و درهما درهما، و ثوبا ثوبا، و أعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته، و في كل شي ء من ذلك يقول: يا أخي هل سررتك؟ فأقول أي والله، و زدت علي السرور، ثم استدعي العامل فأسقط ما كان باسمي و أعطاني براءة مما يتوجه علي منه، و ودعته و انصرفت عنه.

فقلت: لا أقدر علي مكافأة الرجل الا بأن أحج في قابل و أدعو له، و ألقي الصابر (ع) و أعرفه فعله، ففعلت و لقيت مولاي الصابر (ع) و جعلت أحدثه و وجهه يتهلل فرحا، فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك؟

فقال: اي والله لقد سرني و سر أميرالمؤمنين، والله لقد سر جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لقد سر الله تعالي [7] .

فالامام (ع) بأن له محبين في أجهزة السلطة و قد أباح و أجاز لهم ذلك، و أي فائدة أعظم من قضاء حوائج المؤمنين و صيانة أموالهم و أعراضهم؟ فبهذه النية و هي رجوع المصلحة الي المؤمنين كافة جاز أو وجب البقاء مع السلطان، أما لو كانت المصلحة تعود بالنفع علي شخصه فقط، مع تقوية جند سلطان الجور، فهذا اعانة للسلطان علي تشييد حكمه و تقويته، فيكون حينئذ العامل معهم، مشاركا في أي دم أهرقه السلطان و يطالب بنصيبه منه يوم القيامة و لو محجمة من دم.

و قد كان (ع) يضبط سلوك أصحابه الذين زجوا أنفسهم أو زجوا لعمل السلطان قائلا: «كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان» [8] .

و قال (ع) يوما لعلي بن يقطين «اضمن لي الكاهلي و عياله اضمن لك الجنة» [9] فلم يزل ابن يقطين يجري عليهم الطعام و الدراهم و جميع النفقات مستغنين حتي مات الكاهلي.

فهذا العطاء هو من ضمن الاحسان الي الاخوان الذي يضمن به الجنان.



[ صفحه 133]




پاورقي

[1] بحارالأنوار ج 48 ص 136.

[2] نفس المصدر ص 158، قرب الاسناد ص 126.

[3] معجم رجال الحديث ج 12 ص 230، رجال الكشي ص 367.

[4] الكافي ج 5 ص 110.

[5] اليعقوبي ج 2 ص 414.

[6] البحار ج 48 ص 109.

[7] البحار ج 48 ص 174.

[8] المصدر السابق، ج 10 ص 247.

[9] معجم رجال الحديث ج 10 ترجمة عبدالله الكاهلي.