بازگشت

ابعاد أصحابه عن العمل لأجهزة السلطة


فالامام (ع) من خلال معرفته بالأشخاص الذين يسعون جاهدين، لرفع كربة مؤمن و تنفيس همه، و من خلال سطوة أيديهم و مقدرتهم علي ذلك، لكونهم ذات مكانة عالية في السلطة، و لهم اليد الطولي في الحكم و الفصل، دون شاهد أو رقيب، كان (ع) يجيزهم و يسمح لهم بالبقاء، لأن الفائدة عامة و ليست خاصة.

انما نلاحظ أنه في الموارد التي كانت الفائدة شخصية فان الامام (ع) ينهي عن الدخول في سلطتهم لئلا تقوي شوكتهم.

فعن زياد بن أبي سلمة قال: دخلت علي أبي الحسن (ع) فقال لي: يا زياد انك لتعمل عمل السلطان؟ قال: قلت أجل. قال لي: و لم؟ قلت: أنا رجل لي مروة، و علي عيال، و ليس وراء ظهري شي ء، فقال لي: يا زياد لأن أسقط من جالق [1] فأتقطع قطعة قطعة، أحب الي من أن أتولي لأحد منهم عملا، أو أطأ بساط رجل منهم، الا، لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك؟ قال: الا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره، أو قضاء دينه، يا زياد ان أهون ما يصنع الله، بمن تولي لهم عملا، أن يضرب عليهم سرادق من نار، الي أن يفرغ الله من حساب الخلائق.

يا زياد ان و ليت شيئا من أعمالهم، فأحسن الي اخوانك، فواحدة بواحدة، والله من وراء ذلك، يا زياد أيما رجل منكم تولي لأحد منهم عملا، ثم ساوي بينكم و بينهم فقولوا له: أنت منتحل كذاب، يا زياد اذا ذكرت مقدرتك علي الناس، فاذكر مقدرة الله عليك غدا، و نفاد ما أتيت اليهم عنهم، و بقاء ما أتيت اليهم عليك [2] .

فالامام (ع) يؤكد بأنه من تولي عملا للسلطان، لابد أن يعرف بحسن السيرة و السريرة، و يميز من بين الظلمة، بقضاء حوائج المؤمنين و... و الا لو كانت أعماله هي أعمال سلاطين الجور، فهذا يكون منتحل للمذهب الشيعي عن ظهر قلب، لا في القلب، فلذا هذا يكذب علي نفسه



[ صفحه 134]



و علي الخالق و المخلوق، لأن العمل الذي ينعش المذهب، و الرجل الذي يفيد أمته و يحسن اليهم، ينسب الي التشيع، و الا فأهل البيت (ع) منه براء.

و مما يؤكد أن العمل الذي يرجع بالنفع الشخصي لا يرضاه أهل البيت (ع) كلامه (ع) مع صفوان الجمال الذي كان من شيوخ أصحاب أبي عبدالله (ع) و خاصته و بطانته و ثقاته الفقهاء الصالحين، و كذا كان من رجال الامام الكاظم (ع).

ففي رواية عن صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت علي أبي الحسن الأول (ع) فقال لي: يا صفوان كل شي ء منك حسن جميل، ما خلا شيئا واحدا، قلت: جعلت فداك أي شي ء؟

قال: اكراؤك جمالك من هذا الرجل - يعني هارون - قلت: والله ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا للصيد و لا للهو، و لكني أكريته لهذا الطريق، - يعني طريق مكة - و لا أتولاه و لكن ابعث معه غلماني، فقال لي: أتحب بقاءهم حتي يخرج كراك؟ قلت: نعم، قال: فمن أحب بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار.

فقال صفوان: فذهبت و بعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك الي هارون فدعاني و قال: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك؟ قلت: نعم، فقال: لم؟ قلت: أنا شيخ كبير و ان الغلمان لا يفون بالأعمال، فقال: هيهات اني لأعلم من أشار عليك بهذا!!

أشار عليك بهذا موسي بن جعفر. قلت: مالي و لموسي بن جعفر، فقال: «دع هذا عنك، فوالله لو لا حسن صحبتك لقتلتك» [3] .

و كون الكراء عملا للسلطان، لأنه عون لهم علي بقاء ملكهم، حتي و ان كان في طريق الحج، و هذا مما كان يعلمه هارون، فلذا أكد بأن امامكم لا يرضي لكم مشاركتنا في أعمالنا، فلابد من المقاطعة اذن؟!!

و قد نبه الامام صفوان لعلمه بعدم حبه للرياسة.

فقد روي معمر بن خلال أن أباالحسن موسي قال: والله ما ذئبان



[ صفحه 135]



ضاريان في غنم غاب عنها رعاتها، بأضر في دين المسلم من حب الرياسة، و لكن صفوان لا يحب الرياسة [4] .

و قال (ع) عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذا كان يوم القيامة نادي مناد أين الظلمة؟ و الأعوان للظلمة؟ من لاق لهم دواة أو ربط لهم كيسا أو مد لهم مدة أحشروه معهم [5] .

و قال (ع) عنه صلي الله عليه و آله و سلم أفضل التابعين من أمتي من لا يقرب أبواب السلطان [6] بل حذر الفقهاء من الدخول في بلاط السلاطين قائلا عن لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول الله ما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي أديانكم [7] .

فلذا ما ورد في رواية موسي بن اسماعيل بن موسي الكاظم (ع) أن الامام الكاظم (ع) قال: يا معشر الشيعة لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فان كان عادلا فاسألوا الله ابقاءه، و ان كان جائرا فاسألوا الله اصلاحه، فان صلاحكم في صلاح سلطانكم و ان السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم...» [8] .

لا يمكن التعويل عليها، لأنها تنافي كتاب الله، و قد قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم). و هؤلاء الحكام كانوا من المغضوب عليهم بدليل قوله تعالي: (و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما).

فكيف يطاع السلطان اذن في الحق و الباطل؟!!

و كذا مخالفة للروايات المتواترة بحرمة اطاعة و اتباع السلطان كما مر معنا.



[ صفحه 136]



اضافة الي أن موسي المذكور مجهول الحال فلا يعتمد علي هذه الرواية.

نعم قد تكون وردت للتقية - علي فرض صحتها - بدليل عجز الرواية و ان السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم.

أما الدعاء فقط لاصلاحه، من دون القيام بثورة كلامية أو القيام بالسيف فلا يمكن و لا يجوز الأمر به مطلقا.

و الروايات مطلقة في حرمة التزلف الي السلاطين، لأنه يعد من أعوانهم، و لو لا الحشود التي تقف علي أبواب السلاطين، و تتقرب اليها بطلاقة، لتكسب لقمة عيشها منه، لما بقي سلطان جائر.

و تخصص هذه الروايات بما تقدم عنهم (ع) بجواز ذلك عند القيام بالقضايا العامة لا الخاصة، فلذا لم يكن (ع) ليرضي من ابن يقطين ترك السلطة، و كان ينهي ابن الجمال العمل لهم، و ما هذا الا لكون المنفعة شخصية لابن الجمال فلذا يحرم التعامل معهم، أما ما كان فيه منفعة أو دفع ضرر عن الاسلام أو التشيع، فانه و ان لم يكن واجبا أحيانا الا أنه أمر مشروع.


پاورقي

[1] جالق: شاهق (الجبل المرتفع).

[2] الكافي ج 5 ص 109.

[3] معجم رجال الحديث ج 9 ص 122.

[4] سيرة الأئمة الاثني عشر ج 2 ص 313.

[5] بحار ج 75 ص 380.

[6] بحار ج 75 ص 380.

[7] بحار ج 2 ص 36.

[8] أمالي الصدوق 203.