بازگشت

الاتصال به في السجن


سجن الامام في سجن افرادي، ليكون منقطعا تماما عن الأمة، خشية تسرب تعاليمه الي الخارج بواسطة أحدهم، بل كان الموكلون بسجنه يستفيقون من غفوتهم، و يحجمون عن قتله و أذيته، لما يرون من فضله و هيبته.

و مع شدة المراقبة لم يكن يخلو الأمر من دخول الناس الس السجن أحيانا لمساءلته.

فقد روي اسحاق بن عمار قال: لما حبس هارون أباالحسن موسي، دخل عليه أبويوسف و محمد بن الحسن صاحبا أباحنيفة، فقال أحدهما للآخر: نحن علي أحد الأمرين اما أن نساويه أو نشكله، فجلسا بين يديه، فجاء رجل كان موكلا من قبل السندي بن شاهك فقال: ان نوبتي قد انقضت و أنا علي الانصراف فان كان لك حاجة أمرتني حتي آتيك بها في الوقت الذي تخلفني النوبة؟

فقال: ما لي حاجة، فلما خرج قال لأبي يوسف: ما أعجب هذا يسألني أو أكلفه حاجة من حوائجي، ليرجع و هو ميت في هذه الليلة، فقاما فقال أحدهما للآخر: انا جئنا لنسأله عن الفرض و السنة و هو الآن جاء بشي ء آخر كأنه من علم الغيب.

ثم بعثنا برجل مع الرجل فقالا: اذهب حتي تلزمه و تنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة و تأتينا بخبره من الغد، فمضي الرجل فنام في مسجد في باب داره، فلما أصبح سمع الواعية، و رأي الناس يدخلون فجأة داره فقال: ما هذا؟ قالوا: قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة.

فانصرف الي أبي يوسف و محمد و أخبرهما الخبر فأتيا أباالحسن (ع)



[ صفحه 142]



فقالا: قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنه يموت في هذه الليلة؟

قال: من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب (ع) فلما رد عليهما هذا بقيا لا يحيران جوابا [1] فقد كان الدخول اليه لمحاورته، أمرا سهلا، اذا كان السجان من الموالين للامام، لأنه يخفي هذا الأمر عن الحاكم.

أما اخبارهم بموت الموكل به، فكان متعمدا ليكون حجة غيبية لهما، للرجوع عن مذهب أبي حنيفة الذي ينتمون اليه، فتبيين الحق بطريق الكرامة برهان، علي صدق المبرهن، و لما سألوه عن سر علمه، قال من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب (ع).

فلم يقل هذا علم الهامي، أو أننا حجة الله علي خلقه أو غير ذلك، بل ارجعهم الي أصل الامامة، الي علي بن أبي طالب (ع) الي أصل التشيع، بل هذا يعني أن لديهم وراثة كتب من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مختصة بهم لا يعلمها غيرهم، فلذا وصلت اليهم (ع) و من كان كذلك فهو أحق بالامامة و الخلافة و الامرة.

فارادتهما السؤال عن الحلال و الحرام، كأي عالم يستفاد من علمه فهذا لا ينكر منه، و لم يشأ الامام ترك الأمور علي مجراها ليسألاه عن الفروع، بل كانت الأصول و هي غرس بذرة أحقية الأئمة بمقام الامامة و الخلافة لهي الهدف الذي يسعي بترسيخه أهل البيت (ع) لأن دورهم لم يكن يقتصر علي ترسيخ الفقه فحسب، بعد أن أوعزوا الي تلامذتهم بنشره، بل لابد من جديد، غير مألوف فيما بينهم ليكون ذلك نزعة لهم من طريق الضلال الذي سلكوه.

و من النفحات الالهية، أن لله في أبواب الظالمين، من أنار الله به درب المتقين، فقد روي أن موسي بن ابراهيم المروزي، اختص بالامام (ع) عندما كان في سجن السندي بن شاهك، لأنه كان معلما لولده، و نقل



[ صفحه 143]



عنه كثيرا من الأحاديث، التي تعتبر من القواعد الأخلاقية لشيعته، و قد جمع أحاديثه تلك في كتاب و سماه، مسند الامام الكاظم (ع).

و ذكر العلامة القرشي وجود نسخة منه في المكتبة الظاهرية بدمشق، ضمن المجموع رقم 70 - 34 [2] .

أما السيد الخوئي «قدس» فانه و ان ذكر ضعف الطريق، الا أنه ذكر أنه روي عن الامام الكاظم (ع) [3] .

فالامام (ع) لم يتخل عن دوره الأساسي في السجن، من متابعة و تقصي أخبار الأمة ككل، غير مقتصر علي شيعته فقط، سواء في ذلك نشر العلوم الفقهية و السياسية و الأخلاقية و...

بل حتي الارصاد للانحرافات الفكرية، كان يعالجها من داخل سجنه، فالامام و ان كان يتميز بطابع العبادة في السجن ظاهرا، الا أنه علاوة علي ذلك كان يحرك أصحابه في جميع المجالات، و يرشدهم من خلال رسائله المستمرة اليهم و منهم.

فلذا حتي غير الموالين لخط أهل البيت (ع) كانوا يقصدونه لسجنه، مع الأهوال التي تحيطهم و تكتنفهم، كي ينهلون من غدق علمه (ع).


پاورقي

[1] بحارالأنوار ج 48 ص 64.

[2] الامام الكاظم للقرشي ج 2 ص 319.

[3] معجم رجال الحديث ج 19 ص 14.