بازگشت

موقف الامام من ثورته


ان أهل البيت (ع) و ان لم يقوموا بثورة بعد الامام الحسين (ع)، و لكنهم لم يكونوا ليشجبوا تلك الثورات التي تخرج ضد الظالمين لأنها ترفع شعار الحق و العدل فها ذا الامام الصادق (ع) يقول «لا أزال أنا و شيعتي بخير ما خرج من آل محمد، و لوددت أن الخارجي من آل محمد خرج، و علي نفقة عياله» [1] و الحث عليها مع عدم خروجهم، يعطي طابعا جهاديا معارضا، ليكبح جماع الظلم و لو آنا ما، انما هم (ع) كانوا يهيئون النفوس و يثقفونها، اضافة أن الخسارة المعنوية التي سيعني بها التشيع ككل لو هزموا، لن تعوض، بل لن يتمكن أحد من الخروج، اذ أن القلوب ستضعف، و تتزلزل اذ ما دام الأئمة منوا بخسارات متتالية فلن تفلح بعد اليوم أبدا، فلذا تركوا ذلك لشيعتهم.

اضافة الي وصم الأئمة (ع) بأنهم ينهالون و ينكبون علي الدنيا و السلطة و الأموال و... و لن يستطيعوا الوصول اليها.



[ صفحه 150]



فهذا سيزرع في قلوب المرضي نوع من التلكؤ و الانزجار و الابتعاد عن خط أهل البيت، خط الرسالة المحمدية.

فلذا لما عرض عليه المشاركة في الثورة رفض مشاركته، و لكنه لم يرفض الفكرة من الأساس.

روي عبدالله بن جعفر بن أبي طالب (ع) قال: لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ و احتوي علي المدينة، دعا موسي بن جعفر الي البيعة، فأتاه قال له: يابن عم لا تكلفني ما كلف ابن عمك عمك أباعبدالله، فيخرج مني ما لا أريد، كما خرج من أبي عبدالله ما لم يكن يريد، فقال له الحسين: انما عرضت عليك أمرا، فان أردته دخلت فيه، و ان كرهته لم أحملك عليه والله المستعان.

ثم ودعه، فقال له أبوالحسن موسي بن جعفر حين ودعه،يابن عم انك مقتول، فأجد الضراب، فان القوم فساق، يظهرون ايمانا و يسترون شركا، و انا لله و انا اليه راجعون، أحتبسكم عند الله من عصبة، ثم خرج الحسين و كان من أمره ما كان، قتلوا كلهم كما قال عليه السلام» [2] .

فنلاحظ أن الحسين قد دعا الامام الكاظم الي البيعة، و لم يجعله قائدها، فسيكون الامام حينئذ مأموما لا اماما، و مأمورا لا أميرا، اضافة الي عدم رؤية الامام (ع) للقتال في الوهن، لأن الوقت لم يحن، كما قال الصادق (ع) «نحن أعلم بالوقت» [3] .

و كذا الامام الكاظم لم يكن ير الوقت قد حان للقيام بثورة، فعن خالد الجوان قال: دخلت علي أبي الحسن (ع) و هو في عرصة داره، و هو يومئذ بالرميلة، فلما نظرت اليه، قلت: بأبي أنت و أمي يا سيدي! مظلوم» مغصوب! مضطهدا - في نفسي - ثم دنوت منه، فقبلت ما بين عينيه، و جلست بين يديه، فالتفت الي فقال: يا ابن خالد نحن أعلم بهذا الأمر. فلا تتصور هذا في نفسك، قال: قلت جعلت فداك والله ما أردت بهذا شيئا؟ قال: فقال: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا، لو أردنا أزف الينا،



[ صفحه 151]



و ان لهؤلاء القوم مدة و غاية لابد من الانتهاء اليها.

قال: لا أعود أصير في نفسي شيئا أبدا قال: فقال: «لا تعد أبدا» [4] .

فالامام (ع) نهاه حتي عن التفكير في وجوب قيامه بالثورة، و ان الأئمة عاجزون عن القتال، بل لابد من التروي، و سيأتي الحين الذي يؤمرون بالقيام به، و خاصة أن الأئمة لو قاموا دوما بالسيف، فسيفني المسلمون بعضهم دون ركيزة عقائدية.

ثم أن الامام نبهه أن ابن عمه عبدالله بن الحسن بن الحسن، عندما أتي الي الامام الصادق و طلب منه المبايعة لولده محمدا، نهاه الامام عن القيام بها فزعم عبدالله أن الامام يحسده و ولده، مع أن الامام بين له أنه يقتل علي أحجار الزيت، و كانت المعركة حينها للشقاق و الخلاف بين بني الحسن و بني العباس كل يريدها لنفسه فلهذا نهي الامام (ع) عنها.

فلذا لم ينهه الامام الكاظم (ع) عن هذه المعركة، و لكنه حذره من الشقاق و النفاق، و لما رأي الامام (ع) حسن نية الحسين، حثه علي مواصلة الكفاح و الجهاد و أصحابه، و بشره بالشهادة و الجنة، فليس أمامه احدي الحسنين، بل هو في طريق ذات الشوكة، و سيستشهد علي أي حال، فلذا شد علي عزيمته بالجد في الضراب و القتال، لعلهم يرعوون عن غيهم و نفاقهم.

بل كان أهل البيت (ع) يتنبؤن بهذه الثورة و يباركونها، حتي و ان استشهد فيها أكثر من مائة من آل أبي طالب و أصحابهم، و لكنها هزت الضمائر الميتة، و علمت السلطة أن لا سلطة لها علي الرقاب التي تأنف الضيم، بل لابد من شمخ الأنوف عالية أمام الطغاة المتزلفين.

روي عن الامام الجواد (ع) أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم مر بفخ، فنزل فصلي ركعة فلما صلي الثانية بكي و هو في الصلاة، فلما رأي الناس النبي صلي الله عليه و آله و سلم يبكي بكوا، فلما انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يا



[ صفحه 152]



رسول الله، قال: نزل علي جبرائيل لما صليت الركعة الأولي فقال لي: يا محمد ان رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان، و أجر الشهيد معه أجر شهيدين [5] .

و عن النضر بن كرواش قال: أكريت جعفر بن محمد بن المدينة، فلما رحلنا من بطن مر [6] ، قال لي: يا نضر اذا انتهيت الي فخ فاعلمني، قلت: أولست تعرفه؟ قال: بلي و لكن أخشي أن تغلبني عيني، فلما انتهينا الي فخ دنوت من المحمل، فاذا هو نائم فتنحنحت فلم ينتبه، فحركت المحمل فجلس: فقلت: قد بلغت فقال: حل محملي، ثم قال: صل القطار فوصلته، ثم تنحيت به عن الجادة، فأنخت بعيره فقال: ناولني الأداءة و الركوة، فتوضأ و صلي، ثم ركب فقلت له: جعلت فداك رأيتك صنعت شيئا أفهو من مناسك الحج؟ قال: لا و لكن يقتل ههنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم الي الجنة [7] .


پاورقي

[1] دراسات و بحوث في التاريخ و الاسلام ج 3، ص 150.

[2] الكافي ج 1 ص 366.

[3] بحارالأنوار ج 47 ص 372.

[4] بحارالأنوار ج 48 ص 50.

[5] مقاتل الطالبيين ص 436.

[6] بطن مر: من نواحي مكة.

[7] المصدر السابق ص 437.