بازگشت

شهادة الحسين بن علي (صاحب فخ)


و اجتمع مع الحسين ستة و عشرين رجلا من ولد علي، و عشرة من الحاج، و نفر من الوالي، فلما أذن الصبح دخلوا المسجد ثم نادوا «أحد» و صعد عبدالله بن الحسن الأفطس [1] الي المنارة التي عند رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال للمؤذن: أذن بحي علي خير العمل، فلما سمع العمري ذلك هرب أشد هروبا، فقام الحسين بعد الصلاة و خطب قائلا:

أنا ابن رسول الله، علي منبر رسول الله، و في حرم رسول الله، أدعوكم الي سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أيها الناس: أتطلبون آثار رسول الله في الحجر و العود، و تتمسحون بذلك، و تضيعون بضعة منه!

فبايعه الكثير، فاستخلف علي المدينة دينار الخزاعي، و قصد مكة و معه من تبعه من أهله و مواليه و أصحابه فكانوا زهاء ثلاثمائة.



[ صفحه 153]



فلما قربوا من مكة و صاروا بفخ، تلقتهم الجيوش و كان عددها أربعة آلاف، فعرض عليه القائد العباس بن محمد بن علي (أخو أبوالعباس السفاح) الأمان و العفو و الصلة فأبي ذلك أشد الاباء.

و لما رأي المسودة، أقعد رجلا علي جمل، معه سيف يلوح به، و الحسين بن علي يملي عليه حرفا حرفا يقول: ناد فنادي: يا معشر الناس، يا معشر المسودة هذا الحسين بن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابن عمه يدعوكم الي كتاب الله، و سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و كان يقول الحسين «أبايعكم علي كتاب الله و سنة رسول الله، و علي أن يطاع الله و لا يعصي، و أدعوكم الي الرضا من آل محمد و علي أن نعمل فيكم بكتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم، و العدل في الرعية، و القسم بالسوية، و علي أن تقيموا معنا و تجاهدوا عدونا، فان نحن و فينا لكم وفيتم لنا، و ان نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم.

و اشتد القتال - و كان يوم التروية -، و اذ بحماد التركي يرمي الحسين بسهم فقتله، فوهب له محمد بن سليمان مائة ألف درهم و مائة ثوب. فانهزم أصحاب الحسين، بعد أن استشهد منهم مائة ونيفا و احتزت رؤوسهم، و بقوا ثلاثة أيام لم يواروا، حتي أكلتهم السباع و الطير.

و لما جاء الجنود بالرؤوس الي موسي بن عيسي (أحد القادة) و العباس، و عندهم جماعة من ولد الحسن و الحسين، فلم يتكلم أحد بشي ء الا الامام موسي الكاظم (ع) فانه كان حاضرا عندئذ، فراعه ذاك المنظر الرهيب، فاستغلها فرصة للتعبير عن أحقية الحسين بالثورة، و كونهم علي باطل - فقال له أحدهم: هذا رأس الحسين.

قال: نعم انا لله و انا اليه راجعون، مضي والله مسلما صالحا صواما قواما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله [2] .

فلم يجيبوه بشي ء. و كأنهم ندموا علي فعلتهم هذه، نعم و قد روي



[ صفحه 154]



جماعة أن محمد بن سليمان لما حضرته الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة و هو يقول:

ألا ليت أمي لم تلدني و لم أكن

لقيت حسينا يوم فخ و لا الحسن [3] .



و قد استشهد خيرة آل أبي طالب في هذه المعركة، و يكفي ما روي عن الامام الجواد (ع) قوله «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ» [4] .

و لم يكتف بقتل هذه العصبة المباركة القليلة - كما في ثورة الحسين سيدالشهداء - بل أخذ بعضهم أسري فقيدوا، فقتل من قتل منهم، و أخذ بعضهم فصلب علي باب الجسر [5] .

و من شيم الكرام العفو عند المقدرة، و لم يكن الهادي ليتنشق رائحة الكرم، بل كان اللؤم ينفث عن لسانه، فكان من الأسري رجل قد أنهكته العلة، و لما رأي ما به، جعل يستعطف الهادي قائلا: أنا مولاك يا أميرالمؤمنين.

فقال: مولاي يخرج علي، و مع موسي سكين فقال: والله لأقطعنك بهذه السكين مفصلا مفصلا.

فازدادت عليه علته، فمكث ساعة طويلة و مات بنفسه [6] و لم يخف علي الهادي ايمان و تقوي الحسين، فلذا قال «والله ما خرج حسين الا عن أمره، و لا اتبع الا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله ان أبقيت عليه.

فما كان من الامام الا أن دعا عليه فمات من ليلته [7] و قد ذكرنا ذلك مفصلا في عنوان الامام الكاظم مع الهادي.



[ صفحه 155]




پاورقي

[1] بطن مر: من نواحي مكة.

[2] مروج الذهب ج 3 ص 336، المعارف لابن قتيبة 381، الكامل في التاريخ ج 4 ص 13، الطبري ج 8 ص 196، مقاتل الطالبيين ص 294، (الرواية مقتبسة من عدة روايات).

[3] البحار ج 48 ص 165.

[4] المصدر السابق، نقلا عن عمدة الطالب 172، معجم البلدان ج 6 ص 341، سر السلسلة العلوية ص 14.

[5] تاريخ الطبري ج 8 ص 198.

[6] مقاتل الطالبيين ص 294.

[7] بحارالأنوار ج 48 ص 150، المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 306.