بازگشت

موقف الامام الكاظم من ثورته


تعاليم الأئمة و ارشاداتهم و مواقفهم لا تتبدل في زمن واحد، و مجتمع واحد هيكليته و نفوسه و محتواه و...

بل قد تطرأ التغيرات النسبية بحسب التغير الجذري من جراء انقلاب الحكم أو وعي الناس في زمن ولي عنه عالم الغيبوبة.

فمواقف أهل البيت من الثوارث القائمة ما بين الحين و الآخر، - و ان لم تكن الثورات تستقطب جميع أقطاب الحكومة - ايجابية نحوها، لأنها تحجم السلطة الغاشمة عن غيها نوعا ما، و تقض مضجعها، لئلا تتمادي علي رقاب المستضعفين، و تجد الطريق سهلا للعبور الي مقاصدها.

نعم ثورة بني الحسن نهي عنها الامام الصادق (ع) لأنها لم تكن تدعو الي الرضا لآل محمد، بل الي نفسها، كما استأثر بنوالعباس بالحكم لأنفسهم بعد قيامها بشعار الرضا لآل محمد، أما بنوالحسن فكانوا يدعون الي أنفسهم منذ بداية قيامهم بالثورة، و هذا ما سيحدث الشقاق بين الهاشميين ككل.

أما ثورة يحيي فالغموض يكتنفها، و لم ترد رواية صحيحة أن الامام الكاظم (ع أيدها أو نهي عنها، و لكن سيرة يحيي و ايمانه و أخلاقه توحي بأن الامام (ع) رضي بثورته، و خاصة بعدما كان هو المحور و الحجر الأساس في ثورة الحسين.



[ صفحه 157]



و قد خرج يحيي بشعار الرضا لآل محمد.

و لكن يبقي هناك رواية قد توقف عندها بعض العلماء في شجب الامام (ع) لثورته، و لكن لا يمكن الاعتماد عليها لأنها رواية غير صحيحة السند و رواتها ضعاف جدا. و هذه نصها: عن عبدالله بن ابراهيم بن محمد الجعفري قال: كتب يحيي بن عبدالله بن الحسن الي موسي بن جعفر (ع): «أما بعد فاني أوصي نفسي بتقوي الله وبها أوصيك، فانها وصية الله في الأولين و وصيته في الآخرين.

خبرني من ورد علي من أعوان الله علي دينه و نشر طاعته، بما كان من تحننك مع خذلانك، و قد شاورت في الدعوة للرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و قد احتجبتها أبوك من قبلك قديما ادعيتم ما ليس لكم، و بسطتم آمالكم الي ما لم يعطكم الله، فاستهويتم و أضللتم، و أنا محذرك ما حذرك الله من نفسه [1] .

و هذه تعارض الرواية الصحيحة أن يحيي قال للامام (ع) «جعلت فداك أنهم يزعمون أنك تعلم الغيب فقال سبحان الله، ضع يدك علي رأسي فوالله ما بقيت في جسدي شعره، و لا في رأسي الا قامت، ثم قال لا والله ما هي الا رواية عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [2] .

فان من يفدي نفسه في سبيل الامام، و يقر بعلمه و يرضخ لأوامره، لا يمكن أن يصدر منه ما ينافي احترام الامام و حشمته.

أما رد الامام عليه قائلا: «... أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع و أبي من قبل، و ما سمعت ذلك مني، و ستكتب شهادتهم و يسألون، و لم يدع حرص الدنيا و مطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم، حتي يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم، و ذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك، و ما منعني من مدخلك الذي أنت فيه، لو كنت راغبا ضعف عن سنة، و لا قلة بصيرة بحجة و لكن الله تبارك و تعالي خلق الناس أمشاجا و غرائب،



[ صفحه 158]



فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما، ما العترف [3] في بدنك، و ما الصهلج في الانسان، ثم اكتب لي بخبر ذلك، و أنا متقدم اليك أحذرك معصية الخليفة، و أحثك علي بره و طاعته، و أن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار، و يلزمك الخناق من كل مكان، فتروح الي النفس من كل مكان و لا تجده، حتي يمن الله عليك، بمنه و فضله و رقة الخليفة أبقاه الله، فيؤمنك و يرحمك و يحفظ فيك أرحام رسول الله و السلام علي من اتبع الهدي، انا قد أوحي الينا أن العذاب علي من كذب و تولي [4] فان من المظنون به - ان لم يكن المتيقن - أن الامام (ع) قد جعل هذه الرسالة فيما بينهما حيلة يغطي بها انتماءه الي هذه الثورة، أو رضايته بها، لأن الامام (ع) قد كرر قوله ذكرت الي كذا و كذا، مع أنه كان بالامكان الاجابة دون تكرار ما في الرسالة، اضافة الي تأكيده الشديد علي عدم معصية الخليفة بل بره أيضا، و نعته بالرقة و الدعاء له و...

مما لم يعهد له مثيل من أحد من الأئمة، و لا هذا من عاداتهم و شيمهم (ع)مدح الظالم، بل لا يجوز وصفه بما ليس فيه.

اضافة الي أن هذا الكتاب قد وقع في يد الخليفة هارون فلما قرأه قال: الناس يحملوني علي موسي بن جعفر و هو بري ء مما يرمي به.

فاذا صحت هذه الرواية - و هي ضعيفة السند لأنها تتمة الرواية السابقة - تكون مكيدة مدبرة، و حيلة مزورة، لتوهم هارون خلاف الواقع، و تصرفه عن الايقاع بالامام و الطالبيين.


پاورقي

[1] . الكافي ج 1، كتاب الحجة ص 366.

[2] معجم رجال الحديث ج 20 ص 64. تنقيح المقال ج 3 (ترجمة يحيي).

[3] العترف: قيل انه قلب العفريت، الشيطان الخبيث (النهاية ج 3 ص 178).

[4] الكافي ج 1 ص 366.