شهادة يحيي بن عبدالله
و تأججت نار الحقد في قلب هارون، فلم يطق صبرا، فاندلعت ألسنتها بشآريب الشرر، يبثها و يقذفها، لتحرق يحيي، فيطمئن و يسكن حينئذ.
فقد أودعه في سجنه الي مدة، لعله يجد خطة لقتله، ثم أخرجه و هو مكبل بالحديد مسموما، يوهم الناس ببرائته من قتله.
[ صفحه 159]
أحضر الرشيد يحيي قائلا: هيه هيه: متضاحكا، و هذا يزعم أيضا أنا سممناه! فقال يحيي بكل صلابة و جرأة: ما معني يزعم؟ هاهو ذا لساني - قال و أخرج لسانه أخضر مثل السلق - فتربد هارون و اشتد غضبه.
ثم حرض عبدالله بن مصعب بن الزبير هارون علي قتله، ففضحه عندئذ يحيي، قائلا لهارون: والله يا أميرالمؤمنين لقد جاء الي هذا حيث قتل أخي محمد بن عبدالله، فقال: لعن الله قاتله! و أنشدني فيه مرثية قالها نحوا من عشرين بيتا، و قال: ان تحركت في هذا الأمر فأنا أول من يبايعك، و ما يمنعك أن تلحق بالبصرة، فأيدينا مع يدك. فأنكر الزبيري ذلك، و عزم عليه هارون بالحلف، فحلفه يحيي بالبراءة، فقال: أنا بري ء من حول الله و قوته، موكل الي حولي و قوتي. فوقع ابن الزبير ميتا من ساعة. و مع هذه الكرامة التي حصلت ليحيي لم يرعو هارون عن غيه، فقد نقض عهد الأمان الذي أمنه به، مدعيا أنه شق عصا المسلمين [1] .
و قد اختلفت الروايات في كيفية قتله.
1 - مات بالسم [2] .
2 - حبسه فمات في الحبس [3] .
3 - منع من الطعام فمات جوعا [4] .
4 - غرق في البحر.
5 - ألقي في بركة سباع قد جوعت، فلاذت به وهابت الدنو اليه، فبني عليه ركن بالجص و الحجر و هو حي [5] .
[ صفحه 163]
پاورقي
[1] ترجمة يحيي، يرجع الي كل من الطبري ج 8 ص 244، الكامل في التاريخ ج 4 ص 33، و اليعقوبي ج 2 ص 48، المسعودي في مروجه ج 3 ص 353، تنقيح المقال ج 3 ص 318، المعجم للسيد الخوئي ج 20 ص 64، الكافي ج 1 ص 367، مقاتل الطالبيين 645، بحار ج 48 ص 182.
[2] تاريخ الطبري ج 8 ص 244.
[3] الكامل في التاريخ ج 4 ص 33.
[4] اليعقوبي ج 1، ص 408.
[5] اليعقوبي ج 1، ص 408.