بازگشت

كرامة و أخباره بالغيب


قد يعترض البعض قائلا انه لا يناسب الزمن الحالي، اذا توغلنا و استطلنا في بيان كرامات الأئمة (ع) و اخباراتهم بالغيب، لأن ذلك شأنهم (ع) أما في زمننا الحاضر فمن المستحيل أو العسير، حصول تلك الكرامات الا للأوحدي من الناس، و قد لا يصدق بها الكثير، لأنها لا تخضع للحس و التجربة و البراهين العقلية و... فلذا يكون الاعراض عنها خير من الاقتحام فيها.

و لكن بعد الرجوع الي القرآن الكريم نراه زاخرا بكرامات للأنبياء و اخباراتهم بالغيب - حتي لمن شك في كونه ولي أو نبي كالخضر (ع) و ذي القرنين -.

أما نبي الله عيسي (ع) فكان يقول لأصحابه «و أنبؤكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم» [1] .

أما يوسف (ع) فانه لما تحدث له السجينان عن رؤيا كل منهما، و كان الثاني كاذبا في دعواه الرؤيا، فانه (ع) قال له: «و أما الآخر فيصلب



[ صفحه 194]



فتأكل الطير من رأسه» [2] «و في هذا دلالة علي أنه كان يقول ذلك علي جهة الاخبار بالغيب بما يوحي اليه» [3] .

أما الخضر (ع) فخبره مع نبي الله موسي (ع) مما لا يخفي من ثقب السفينة و قتل الغلام و بناء الحائط، و لم يطلع علي الغيب من فعله موسي (ع) مع أنه كان رسولا من أولي العزم، و لكن الله تعالي من بعلم الهامي للخضر زيادة عن موسي (ع) و هكذا غيرهم من الأنبياء، أما الأئمة (ع) فانهم لم يكونوا بحاجة الي ظهور تلك الكرامات علي أيديهم، ليبينوا تفوقهم الروحي أو العلمي علي من سواهم، بل كانوا (ع) أبعد من ذلك، لأن الهدف لو كان هوذا، لنافي الاخلاص الحقيقي الواقعي الذي يهدفون اليه و يرسخونه في عقيدة أصحابهم.

بل لولت تلك الكرامات بلا هوادة، بل لم يكونوا عندها أهلا لتلك الكرامات، لأن النفس التي تلوث بالرياء و حب النفس و الغرور... لا يوجد لديها قابلية لتلك الكرامة، لأنها تستدعي التقي و الارادة القوية التي تستطيع من خلالها الحصول علي تلك الكرامة.

فلذا قال الامام الصادق (ع) «ما ضعف بدن عما قويت عليه النية» [4] أما أهداف الأئمة (ع) فكانت لأغراض تربوية، و لهداية الناس الي اتصال الامام بعالم الغيب، اذ أن تأثير الكرامة في نفوس بعض العوام أشد من تأثير البراهين العقلية، في تثبيت عقيدتهم، و ترسيخ ايمانهم بالله أولا، و بالامام ثانيا، فكانت للدلالة علي وصايتهم و امامتهم و ولايتهم.

و مما يلاحظ أن الكرامة خرقا لنواميس الطبيعة، و السنن الكونية المألوفة، لم يكن أهل البيت (ع) يجرونها الا في حدود الضرورات فقط، في فترات خاصة و أوقات حساسة.



[ صفحه 195]



الفرق بين الكرامة و المعجزة

لقد عرف المشهور من المتكلمين المعجزة أنها «أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة» [5] .

و بهذا التعريف تخرج الكرامة عن كونها معجزة، لأن الكرامة لم تقترن بدعوي النبوة لكي يتحدي النبي بها أهل قبيلته أو مدينته أو الناس أجمع، بالاتيان بمثل هذه المعجزة.

فأي نبي ادعي النبوة من الله تعالي لابد أن يأتي بما يعجز عن مجاراته البشر، و يقيم علي مدعاه برهانات لاثبات تلك الدعوة.

أما الكرامة فهي كالمعجزة الا أنها لا تحتاج الي تحدي من طرفين. فالذي يجري علي يدي الأئمة (ع) انما هي كرامات في الغالب، نعم اذا تحدي الامام (ع) علي اثبات امامته و أتي بما يخرق العادة، فانها تعد معجزة أيضا.

ما الفرق بين كرامات الأئمة (ع) و المتصوفة و المرتاضين

قبل الاجابة علي هذا السؤال الذي يطرأ علي ألسنة الكثير من المتشوقين للمعرفة، أو المتعنتين النابذين لقدرات الأئمة المتصلة بعالم الغيب، نقول:

«ان العرفان ينتهي الي أصل الدين الفطري، اذ ليس هو بنفسه أمرا مستقلا تدعو اليه الفطرة الانسانية، فالعرفان يدعو الي تهذيب النفس و تهذيب الأخلاق، و لا يدعو اليه الا أهل الدين علي طول التاريخ البشري.

نعم يمكن أن يكون بعض أصحاب هذه الطرق غير الدينية، كأصحاب السحر و الشعوذة و المرتاضين، قد تنبه الي عرفان النفس، و انها - أي النفس - كما أنها قادرة علي تحريك البدن من قيام و قعود و أكل و شرب و... فانها مع الارادة و ترويض النفس الدؤوب علي أعمال معينة مع دراسة للأساليب و الطرق التي تتبع، تصبح قادرة علي التصرف خارج نطاق



[ صفحه 196]



البدن أيضا، من تنويم الآخرين (التنويم المغناطيسي) أو النظر بحدة الي انسان بجعله يعترف ببعض الأشياء، أو لربما أحضر روح أحد من الناس في مرآة أو ماء أو نحوه، بالتصرف في نفس صبي و هو كغيره يري أن الصبي انما يبصره، و انما بين أبصار الناظرين و بين الروح حجابا مضروبا، و لا يري تلك الروح الا الصبي فقط، الي غير ذلك من الأمور المعروفة عند المرتاضين.

و هذا يرجع أساسه الي الدين و لكن اتبعت طرق غير مشروعة في ذلك [6] أما العلم بالغيب فقد أقرته جميع الأديان المساوية قاطبة - (الذين يؤمنون بالغيب) [7] (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول...) [8] .

فمما لا شك فيه الأئمة (ع) بقوة روحهم البعيدة عن الماديات - اضافة الي علمهم الالهامي و العلم الموروث - يرون الغيب كالشهادة لأحدنا.

أما الفروقات بين كرامات الأئمة و غيرهم فأهمها:

أولا: ان السحر و الشعوذة و الرياضة، فانها و ان كانت خارقة للعادة، و لكنها خاضعة للتعليم و لها قواعد و أصول تبني عليها هذه المدرسة، فهي كعلم الكيمياء مثلا تغير المعدن الي ذهب، و المحلول الفلاني الي غيره باضافة مادة ما، ثم ان الرياضة تحتاج الي ممارسة فتصبح كعادة كأكل الزجاج مثلا و... أما كرامات الأئمة و الأنبياء فليست كذلك.

ثانيا: ان السحر و أمثاله قابل للمعارضة، من أمثال السحرة و كذلك المرتاضين، فلذا يسهل علي مثله الاتيان بعمله لأنه من أهل الخبرة، فلذا تجري عادة ألعابهم علي عوام الناس الجاهلين بكيفية علومهم، و لا تكون الرياضة قابلة للتحدي، فهو ينفذ قدرته علي من ليس من أهل ذلك العلم.

ثالثا: ان عمل أهل الرياضة و السحر، لا يخرج عما تعلموه، فهم لا



[ صفحه 197]



يأتون بما يريده الناس و يطلبونه منهم، بل بما تدربوا عليه فقط.

رابعا: ان أصحاب الكرامات لهم أهداف عالية سامية، و هي تتمثل في الدعوة الي الله، و تخليص الناس من الرذائل و...

و هذا بخلاف المرتاضين و السحرة، فغايتهم كسب الشهرة و السمعة، لا الله و لا المجتمع المثالي، لأنهم لا ينظرون لأنفسهم نظرة المترقي للقيم و الفضائل، فكيف يعلمونها غيرهم!!! [9] .

مصاديق لكراماته (ع).

1 - عن الحسين ابن موسي قال: اشتكي عمي محمد بن جعفر حتي أشرف علي الموت قال: فكنا مجتمعين عنده فدخل أبوالحسن (ع) فقعد في ناحية و اسحاق عمي عند رأسه يبكي، فقعد قليلا ثم قام فتبعته فقلت: جعلت فداك يلومك أخوتك و أهل بيتك يقولون: دخلت علي عمك و هو في الموت ثم خرجت قال: أي أخي أرأيت هذا الباكي سيموت، و يبكي ذاك عليه، قال: فبرأ محمد بن جعفر و اشتكي اسحاق فمات و بكي محمد عليه [10] .

2 - عن سليمان بن عبدالله قال: كنت عند أبي الحسن موسي (ع) قاعدا فأتي بامرأة قد صار وجهها قفاها، فوضع يده اليمني في جبينها و يده اليسري من خلف ذلك، ثم عصر وجهها عن اليمين، ثم قال: (ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم)، فرجع وجهها.

فقال: احذري أن تفعلين كما فعلت، قالوا: يابن رسول الله و ما فعلت؟ فقال: ذلك مستور الا أن تتكلم به، فسألوها فقالت: كانت لي ضرة فقمت أصلي فظننت أن زوجي معها، فالتفت اليها فرأيتها قاعدة و ليس هو معها، فرجع وجهها علي ما كان [11] .

3 - عن اسحاق بن عمار قال: كنت عند أبي الحسن الأول (ع)



[ صفحه 198]



فدخل عليه رجل فقال أبوالحسن يا فلان انك تموت الي شهر فأضمرت في نفسي كأنه يعرف آجال الشيعة فقال: يا اسحاق ما تنكرون من ذلك؟ قد كان رشيد الهجري مستضعفا و كان يعرف علم المنايا فالامام أولي بذلك منه.

ثم قال: يا اسحاق انك تموت الي سنتين، و تنشب أهلك و عيالك و أهل بيتك و تفلسون افلاسا شديدا، و كان كما قال، و في ذلك ثلاث آيات [12] .

4 - قال شقيق البخلي: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة، فنزلنا القادسية فبينا أنا أنظر الي الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت الي فتي حسن الوجه، شديد السمرة، نحيف فوق ثيابه ثوب صوف، مشتمل بشمله في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا، فقلت في نفسي هذا فتي من الصوفية و يريد أن يخرج مع الناس فيكون كلا عليهم في طريقهم، والله لأمضين اليه و لأوبخنه، فدنوت منه فلما رآني مقبلا نحوه قال: «يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم» فتركني و ولي، فقلت في نفسي، ان هذا الأمر عظيم تكلم علي ما في خاطري و نطق باسمي هذا عبد صالح لألحقنه و أسأله الدعاء، و أن يحللني مما ظننته به، فغاب عني و لم أره، فلما نزلنا واقصة [13] فاذا هو واقف يصلي، فقلت: هذا صاحب أمضي اليه و استحلله، فصبرت حتي فرغ من صلاته، فالتفت الي و قال: يا شقيق و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي، ثم قام و مضي و تركني: فقلت: هذا الفتي من الأبدال قد تكلم علي سري مرتين، فلما نزلنا زبالي، و اذا أنا بالفتي قائم علي البئر و أنا أنظر اليه و بيده ركوة يريد أن يستقي فيها الماء، فسقطت الركوة من يده في البئر، فرمق الي السماء بطرفه و سمعته يقول: أنت ربي اذا ظمئت الي الماء و قوتي اذا أردت الطعام، ثم قال: اللهم الهي و سيدي فلا تعدمنيها قال شقيق: فوالله لقد رأيت الماء ارتفع الي رأس البئر و الركوة طافية عليه، فمد يده و أخذها ملئي، فتوضأ منها و صلي أربع



[ صفحه 199]



ركعات ثم مال الي كثيب رمل فجعل يقبض بيده و يجعل في الركوة، و يحركها و يشرب، فأقبلت نحوه و سلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: اطعمني من فضل ما أنعم الله عليك. فقال: يا شقيق لم تزل نعمة الله علي ظاهرة و باطنه فأحسن ظنك بربك، فناولني الركوة فشربت منه فاذا هو سويق سكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه و لا أطيب، فشبعت و رويت و أقمت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا، ثم لم أره حتي حططنا بمكة، فرأيته ليلة الي جنب قبة السراب في نصف الليل و هو قائم يصلي بخشوع و أنين و بكاء، فلم يزل كذلك الي طلوع الفجر، فلما أصبح جلس في مصلاه يسبح الله تعالي، ثم قام الي الطواف و بعد الانتهاء خرجت خلفه أريد السلام عليه، و اذا بجماعة قد طافوا به يمينا و شمالا من خلفه و من قدامه، و اذا له حاشية و خدم و حشم و موالي و اتباع قد خرجوا معه، فقلت لهم: من هذا الفتي؟ فقالوا: هو موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فقلت: و لا يكون هذا الا لمثل هذا [14] .

الي غير مما تواتر في الجملة، فورد ما يقارب من مائة كرامة من كراماته (ع) و هي في ذلك لا تقبل أدني شك بجملتها لا بتفصيلها؟



[ صفحه 203]




پاورقي

[1] سورة آل عمران، آية: 49.

[2] سورة يوسف، آية: 41.

[3] مجمع البيان ج 3 ص 334.

[4] البحار ج 70 ص 205.

[5] الالهيات ج 2 ص 64.

[6] الميزان في تفسير القرآن ج 6 ص 191 - 178.

[7] سورة البقرة، آية: 3.

[8] سورة الجن، آية: 26.

[9] مختصر من الالهيات للشيخ السبحاني ج 2 ص 105 - 102، و توضيح المراد تعليقة علي شرح تجريد الاعتقاد للعلامة الحلي ص 654.

[10] بصائر الدرجات ص 264.

[11] تفسير العياشي ج 2 ص 205.

[12] مستند الامام الكاظم ج 1 ص 366.

[13] واقصة: موضعان، منزل في طريق مكة بعد بعد القرعاء. و كذا واقصة بأرض اليمامة.

[14] قل ما ذكرت سيرة الامام الكاظم (ع) في أحد الكتب سواء عند العامة أو الخاصة الا و ذكرت هذه الكرامة.