بازگشت

الامام الكاظم في مواجهة الغلاة


و من أبرز القضايا التي كانت قد علقت في أذهان بعض أتباع الكاظم (ع) فكرة تأليه الأئمة (ع) و المغالاة بهم.

و لم تكن هذه الفكرة وليدة عصر الكاظم (ع) بل كان بدء نشوئها عصر الامام علي بن أبي طالب (ع)، لما رأوا كثرة كراماته التي فاقت حد تصورهم.

اذ أنه (ع) باجماع المسلمين أفضل الخلفاء الأربعة، علما و شجاعة و قرابة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و حارب أهل البيت هذه الفكرة أشد محاربة، فأمروا باعتزالهم و بعدم جواز التزويج منهم و اليهم، و عدم دفنهم في مقابر المسلمين، و عدم تناول ذبيحتهم، و نجاستهم، و عدم ارثهم من المسلمين و... فلا تجري عليهم أحكام الاسلام من أي وجه مطلقا.

«و كان البعض يري في الأئمة أجمع عنصرا ملكوتيا يميزهم عن سائر البشر تمييزا جوهريا، فهم مخلوقون من عنصرين - الوجود البشري و الوجود الالهي - و قالوا ان الأئمة تختلف عن سائر البشر.

و قد كفر الامام الصادق (ع) هؤلاء قائلا «ان جدي و آبائي خلقوا كغيرهم من الناس» و ان القرآن يقول عن رسوله «قل انما أنا بشر مثلكم...» [1] .



[ صفحه 204]



و أول المغالين كان عبدالله بن سبأ الذي قال لعلي (ع) «أنت أنت» يعني الاله فنفاه (ع) الي المدائن، و يروي أنه كان يهوديا و كان يقول في يوشع بن نون، وصي موسي، كما قال في علي (ع)، و منه تشعبت أصناف الغلاة [2] .

و العلبائية (صنف من الغلاة) قالوا بألوهية أصحاب الكساء: «محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين، و قالوا خمستهم شي ء واحد و الروح حالة فيهم بالسوية» [3] .

الي أن بزغ عهد الامام الصادق (ع) و رأي بعضهم وفور علمه، و رجحان عقله، و أنه بحر لا ينزف، ادعوا ألوهيته.

و هذه الفرقة هي الخطابية، أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي.

و لما وقف الامام (ع) علي غلوه لعنه و أمر أصحابه بالبراءة منه، و بالغ في التبري منه.

و قد زعم أبوالخطاب أن الأئمة أنبياء ثم ألهة، و قال بالهية جعفر (ع) و آبائه و هم أبناء الله و أحباؤه، و الالهية نور في النبوة، و النبوة نور في الامامة.

و الامام الصادق حالا هو الاله و لما نزل الي الدنيا لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها [4] .

و مع أن الخطاب قتل و حرق الي أن دعوته ما خمدت فورا بل بقي شرارة منها الي زمن الامام الكاظم (ع).

فقد قام محمد بن بشير يؤجج الدعؤة الي ألوهية الامام الكاظم (ع) بعدما كانت قد خمدت قليلا في أيام الصادق (ع).

فقد حدث علي بن حديد المدائني قائلا: سمعت من سأل أباالحسن الأول (ع) فقال: اني سمعت محمد بن بشير يقول: انك لست موسي بن



[ صفحه 205]



جعفر الذي أنت امامنا و حجتنا فيما بيننا و بين الله؟ فقال: لعنه الله - ثلاثا - أذاقه الله حر الحديد، قتله الله أخبث ما يكون من قتلة.

فقلت له: جعلت فداك اذا أنا سمعت ذلك منه، أو ليس حلالي لي دمه مباح كما أبيح دم الساب لرسول الله و للامام (ع)؟ قال: نعم بلي والله حل دمه، و أباحه لك، و لمن سمع ذلك منه.

قلت: أو ليس هذا بساب لك؟ قال: هذا ساب لله و لرسوله و ساب لآبائي وساب لي، و أي سب ليس يقصر عن هذا و لا يفوقه هذا القول [5] .

و عن أبي حمزة البطائني قال: سمعت أباالحسن موسي (ع) يقول: لعن الله محمد بن بشير و أذاقه الله حر الحديد، انه يكذب علي، بري ء الله منه و برئت الي الله منه، اللهم اني أبرأ اليك مما يدعي في ابن بشير، اللهم أرحني منه. ثم قال (ع): يا علي ما أحد أجترأ أن يتعمد علينا الكذب الا أذاقه الله حر الحديد، و ان بنانا كذب علي علي بن الحسين (ع) فأذاقه الله حر الحديد، و ان المغيرة بن سعيد كذب علي علي أبي جعفر (ع) فأذاقه الله حر الحديد، و ان أباالخطاب كذب علي أبي فأذاقه الله حر الحديد، و ان محمد بن بشير لعنه الله يكذب علي برئت الي الله منه.

اللهم اني أسألك أن تخلصني من هذا الرجس النجس محمد بن بشير فقد شارك الشيطان أباه في رحم أمه.

قال علي بن أبي حمزة: فما رأيت أحدا قتل بأسوأ قتلة من محمد بن بشير لعنه الله [6] .

و كان محمد بن بشير يقول في الامام الكاظم بالربوبية، و يدعي في نفسه أنه نبي، و كان عنده صورة قد عملها و أقامها شخصا كأنها صورة الكاظم (ع)، و قد عالجها بحيل عملها، و طلاها بالأدوية، و كان يقيم شعوذة عليها [7] .



[ صفحه 206]




پاورقي

[1] الامام الصادق في نظر علماء الغرب ص 141.

[2] كتاب الملل و النحل للشهرستاني ج 1 ص 157 - 155.

[3] كتاب الملل و النحل للشهرستاني ج 1 ص 157 - 155.

[4] كتاب الملل و النحل للشهرستاني ج 1 ص 158، البحار ج 47 ص 378.

[5] رجال الكشي ص 408.

[6] رجال الكشي ص 408، معجم رجال الحديث ج 15 ص 127.

[7] رجال الكشي ص 408، معجم رجال الحديث ج 15 ص 127.