بازگشت

الامام في مواجهة القياس و العمل بالرأي


اهتم الأئمة (ع) اهتماما بالغا بتعليلات الأحكام، و ألفت كتب في ذلك، و مع أن الأحكام تابعة للمصالح و المفاسد، (لا يسأل عما يفعل و هم يسألون) [1] الا أن عوام الناس، و خاصة في أيام الامامين الصادق و الكاظم (ع) تشتت أفكارهم، فقد ظهرت فرق كثيرة و مذاهب متعددة، جراء عوامل كثيرة [2] .

فلذا تواترت الأسئلة حول علة الأحكام اما للحيرة التي أربكت عقول بعضهم، بعلة هذا الحكم الفلاني، حتي يقتصوا أثره، و يكون العمل علي طبق الوظيفة الشرعية صحيحا، و اما لتفشي القياس بين العامة الذي نهي عن اتباعه مدرسة أهل البيت (ع) فصار العلماء - من أتباع مذهب أهل البيت (ع) - خوفا من الانزلاق في القياس، تسأل الأئمة (ع) عن علة الحكم، لتجريه علي حكم آخر مع وحدة العلة و المناط.

و في أغلب الأحيان علل الأئمة (ع) الأحكام ليجعلوها قاعدة عامة يسير علي خطاها تلامذتهم، عند عدم النص علي حكم معين، مع وحدة العلة.

مع التأكيد لهم «ان دين الله لا يقاس بالعقول» خوفا من انزلاقهم في متاهات المذاهب الأخري.

فقد شن الامام الكاظم (ع) حملة نظامية مدروسة، علي مدرسة أبي حنيفة قائلا: «انما هلك من كان قبلكم بالقياس، ان الله تبارك لم يقبض نبيه حتي أكمل له جيمع دينه في حلاله و حرامه فجاءكم مما تحتاجون اليه، في حياته، و تستغيثون به و بأهل بيته و بعد موته، و انها صحيفة عند أهل بيته، حتي أن فيها لأرش خدش الكف، ثم قال: ان أباحنيفة لعنه الله ممن



[ صفحه 207]



يقول قال علي و أنا قلت» [3] .

و كادت أن تمحي و تستأصل سنة رسول الله، بل كادت أن تصبح في خبر كان، لو لا شن الهجومات تلو الأخري - لم يكن مجال للدفاع، بل ان الدفاع في هذا المقام دليل علي ضعف و ركاكة الحجج - علي أصحاب القياس و البدع.

سأل محمد بن الحسن الشيباني الحنفي أباالحسن موسي (ع) بمحضر من الرشيد و هم بمكة فقال له: أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟ فقال له موسي (ع): لا يجوز له ذلك مع الاختيار. فقال له محمد بن الحسن: أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن عن ذلك.

فقال له أبوالحسن موسي (ع): أفتعجب من سنة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و تستهزي ء بها. ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كشف ظلاله في احرامه و مشي تحت الظلال و هو محرم، ان أحكام الله - يا محمد - لا تقاس، فمن قاس بعضها علي بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا [4] .

فلو أن الأحكام الشرعية تعتمد علي القياس، الذي هو ظن بعلة الأحكام، لتشابه بين الأحكام فقط، دون معرفة العلل الواقعية، لحلت الفوضي في الشريعة، مع عدم الحاجة للرجوع الي أئمة الهدي، بل و لا الي سنة رسول الله، كما جري في هذا الحديث.

و قد جري لأبي يوسف [5] مع أبي الحسن موسي (ع) بحضرة المهدي ما يقرب من ذلك، و هو: أن موسي (ع) سأل أبايوسف عن مسألة ليس عنده فيها شي ء، فقال لأبي الحسن موسي (ع) اني أريد أن أسألك عن



[ صفحه 208]



شي ء، قال: هات. فقال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح.

قال: فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه؟ قال: نعم. قال: فما فرق بين هذا و ذاك؟ قال: قال أبوالحسن موسي (ع): ما تقول في الطامث تقضي الصلاة؟ قال: لا. قال: تقضي الصوم؟ قال: نعم. قال: و لم؟ قال: ان هذا كذا جاء.

قال أبوالحسن (ع): و كذلك هذا. قال المهدي لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئا، قال: «يا أميرالمؤمنين رماني بحجة» [6] .

و بما أن القياس استفحل في أيامه (ع) فقد اشتبه الأمر علي أصحابه فاستفتي (ع) بجواز الرجوع الي القياس في الأمور البسيطة، فلم يأذن (ع) مطلقا، بل أكد لهم بأن كل ما يحتاجونه انما هو في كتاب عندهم (ع).

فعن سماعة عن العبد الصالح قال: سألته فقلت: ان أناسا من أصحابنا قد لقوا أباك و جدك و سمعوا منهما الحديث، فربما كان الشي ء يبتلي به بعض أصحابنا، و ليس عنده في ذلك شي ء يفتيه و عندهم ما يشبهه، يسعهم أن يأخذوا بالقياس؟ فقال: لا انما هلك من كان قبلكم بالقياس، فقلت له: لم تقول ذلك؟ فقال: انه ليس بشي ء الا و قد جاء في الكتاب و السنة [7] أي أنه لا حاجة للقياس بعد أن جاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما تحتاج اليه الناس الي يوم القيامة.

و هذا يؤيده قوله (ع) «أتي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما استغنوا به في عهده، و بما يكتفون به من بعده الي يوم القيامة، قال الراوي قلت ضاع منه شي ء؟ قال: لا هو عند أهله [8] .

فالامام (ع) يؤكد علي الامامة و علي عدم جواز الوقوف بوجه الله و وجه رسوله صلي الله عليه و آله و سلم بافتاء آخر، و الا لتخلت الناس بعد برهة من الزمن عن الحاجة الي السنة بعد الرجوع الي العقول فقط، دون جعل أهل البيت أهلا للنص الشرعي.



[ صفحه 209]




پاورقي

[1] سورة الأنبياء، آية: 23.

[2] ذكرت في كتابنا الامام الصادق في محنة التاريخ.

[3] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 246.

[4] البحار ج 2 ص 290، كشف الغمة ج 2 ص 230.

[5] هو أبويوسف القاضي (يعقوب بن ابراهيم) كان صاحب أباحنيفة، و يقول بكثير من آرائه، و لكنه رجع عن ذلك عند موته فقال: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه، الا ما وافق كتاب الله و السنة. (تنقيح المقال ج 3 ص 329).

[6] البحار ج 2 ص 290، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 78.

[7] نفس المصدر من البحار، و في هذا المعني الكثير من الأخبار.

[8] نفس المصدر من البحار، و في هذا المعني الكثير من الأخبار.