بازگشت

الامام الكاظم في مواجهة المشبهة


تصدي الامام (ع) علي طول الخط، و في موجة عارمة كالسيل الجارف، علي جميع الصعد قاطبة لمواجهة الانحراف العقائدي و الفقهي و...

و رصد للحركة الثقافية، و كان الرائد في حماية العقيدة، و حفظ الشريعة.

أما المشبهة فقد تغلغلوا في صفوف الأصحاب، بل و حاولوا النفوذ الي الأعماق، مستندين بقوة الي السلطة التي تقوي نفوذهم أو تتركهم و شأنهم، اذ كانت الملاحقات تكتنف خط الرسالة المحمدي الأصيل.

و قد صرح جماعة من الشيعة الغالية، و جماعة من أهل الحديث الحشوية، بالتشبيه، مثل الهشاميين من الشيعة، فقالوا معبودهم علي صورة ذات أعضاء و أبعاض، اما روحانية و اما جسمانية، و يجوز عليه الانتقال و النزول و الصعود و الاستقرار و التمكن.

و أما مشبهة الحشوية فأجازوا أيضا علي ربهم الملامسة و المصافحة و أن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا و الآخرة، و انه لا يشبه شيئا من مخلوقاته، و ما ورد في الكتاب العزيز من الاستواء و الوجه و اليدين و الجنب و المجي ء و الاتيان، أجروها علي ظاهرها.

و روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قوله «لقيني ربي فصافحني، و كافحني، و وضع يده بين كتفي حتي وجدت برد أنامله». الي غير ذلك من كلماتهم التي تؤكد الجسمية لله تعالي [1] .

و ذهب الي التشبيه الحنابلة - أحمد بن حنبل و أتباعه - و الكرامية [2] و متقدمي الأشاعرة فقد ذهبوا الي أنه متحيز بجهة العلو، و أنه يصح الاشارة اليه، و يجوز عليه التحول من جهة الي أخري، و أن العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد، تحت الركب الثقيل، و يزيد علي العرش من كل جهة



[ صفحه 210]



أربعة أصابع، و لهم خرافات كثيرة [3] .

و قد خاض الامام حملة هجومية واسعة شنها علي أولئك المشبهين الذين قويت شوكتهم.

فعن محمد بن حكيم قال: وصفت لأبي ابراهيم (ع) قول هشام بن سالم الجواليقي و حكيت له، قول هشام بن الحكم انه جسم فقال: ان الله لا يشبهه شي ء، أي فحش أو خني أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد و أعضاء، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا [4] [5] .

و روي سليمان بن جعفر الجعفري قال «سمعت أباالحسن (ع) يقول لأبي: ما لي رأيتك عند عبدالرحمن بن يعقوب؟ قال: انه خالي، فقال له أبوالحسن (ع): انه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله تعالي و يحده، والله لا يوصف، فاما جلست معه و تركتنا، و اما جلست معنا و تركته.

فقال: ان هو يقول ما شاء أي شي ء علي منه اذا لم أقل ما يقول؟ فقال له أبوالحسن (ع): «أما تخافن أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا...» [6] .

فالامام (ع) و ان كان يؤمن بحرية البحث الفكري، و لكن (ع) يأذن بل يرغب و يحث أصحابه علي مقارعة الحجة بالحجة، حتي يتميز الصدق و الحق من الزيغ و الباطل، فيخرج الزبد الجارف، و يبقي ما ينفع الناس. أما سليمان الجعفري فلم يكن له قدره علي مقارعة الباطل، بل خاف عليه



[ صفحه 211]



الامام أن يسترسل معه في عقائده، فينحرف.

فلذا قال له: لن نعدك من أصحابنا بعد اليوم ان ملت اليه، حتي و ان كان بينك و بينه رحم.

انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح.

و هذه قاعدة للنهي عن المنكر، فاما الاستنكار علي المنكر، و أما الانحياد حتي لا يعد الجليس موافقا لآرائهم.


پاورقي

[1] الملل و النحل ج 1 ص 97، الالهيات ج 1 ص 87.

[2] اتباع أبي عبدالله محمد بن كرام.

[3] الشيعة بين الأشاعرة و المعتزلة ص 146، دراسات في العقيدة الاسلامية ص 145، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد 294.

[4] الكافي ج 1 ص 105.

[5] قال السيد الخوئي في معجمه ان الروايات التي تنسب الي هشام بن الحكم بأنه قائل بالتجسم ضعيفة، بل له كتاب في الرد علي هشام بن سالم الجواليقي في القول بالتجسم، و أظن أن الحسد من أصحابه له، جرهم الي الافتراء عليه، اضافة الي أن أباالحسن الأشعري قال: قيل ان هشام قائل بالجسمية. قال هشام: اني أريد أنه تعالي جسم أنه موجود قائم بذاته. (معجم رجال الحديث ج 19 ص 294).

[6] الكافي ج 2، كتاب الايمان و الكفر باب مجالسة أهل المعاصي.