بازگشت

عدم التدخل في مسألة خلق القرآن


من أهم المباحث الكلامية التي اشتدت حدة الكلام و الخصام فيها، حتي جر الي الضرب و السجن و التكفير، و الانشقاق بين المسلمين بسببها، هي مسألة قدم القرآن أم حدوثه.

ان علم الكلام بشكل عام أخذ حيزا كبيرا، بل كان هو الرائج و الرائد في أكثر المجالات - حتي اضطر الامامان الصادق و الكاظم (ع) علي التركيز علي الفقه في دعوتهما لأهميته في الشريعة و للتقليل من الخلافات - و لكن مع ذلك لم يحدث فجوات عظيمة في الكيان الاسلامي، الذي هدد الاسلام ككل كهذه المسألة التي لم يول لها الاسلام تلك الأهمية، و خاصة أنها لا تدخل في صميم العقيدة، بحيث أنها توجد خللا في العقيدة، بل و لم يذكرها القرآن الكريم و لا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم...

و انقسم المسلمون حينئذ ثلاثة أقسام: فمن قائل بخلق القرآن و حدوثه، و هم المعتزلة.

و من قائل بقدم القرآن و أزليته، و هم أهل الحديث، و منهم أحمد بن حنبل - امام المذهب الحنبلي - و أبوالحسن الأشعري. (الأشاعرة). و قسم توقف في الأمر، فقالوا القرآن لا مخلوق و لا غير مخلوق.

أما المعتزلة و هم القسم الأول الذين قالوا بحدوث القرآن، فقد انبروا يدافعون عن فكرتهم بكل صلافة و صلابة، مستندين الي قوة الحكام، لأن الدولة في خلافة العباسيين حتي عهد المتوكل كانت تؤيد حركة الاعتزال.

و كانت تختبر الفقهاء فمن يقول بقدم القرآن و أزليته يتعرض للتعذيب أو السجن أو الضرب بالسياط، و نتيجة هذا الامتحان اضطر كثير من الفقهاء للقول بحدوث القرآن، الا القليل ممن أبي كأحمد بن حنبل.

أما القسم الثاني و هم القائلون بقدم القرآن و علي رأسهم امام الحنابلة و الأشاعرة فقد قال أحمد بن حنبل «و القرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، و من زعم أن القرآن كلام الله عزوجل و وقف، و لم يقل مخلوق و لا غير مخلوق، فهو أخبث من الأول.



[ صفحه 213]



و من زعم أن ألفاظنا بالقرآن و تلاوتنا له مخلوقة، و القرآن كلام الله فهو جهمي. و من لم يكفر هؤلاء القوم فهو مثلهم.

و قال أبوالحسن الأشعري «و نقول ان القرآن كلام الله غير مخلوق، و ان من قال بخلق القرآن فهو كافر».

و كذا المحدثين مع أنهم يقفون في كل ما لا يرد فيه شي ء عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا أنهم في هذه المسألة قالوا بقدم القرآن و أعلنوها صراحة. فأخذ من جراء هذا الكلام، أحمد بن حنبل فسجن و عذب و ضرب بالسياط، و لم يرجع عن موقفه مع أنه بقي في السجن ثمانية و عشرين شهرا، و هذا كان من أبرز العوامل التي أدت الي شيوع صيته في الآفاق [1] .


پاورقي

[1] الالهيات ج 1 ص 207 - 206 للشيخ جعفر السبحاني. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 289، توضيح المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ارشاد الطالبيين الي نهج المسترشدين 208.