بازگشت

موقف أهل البيت في المسألة


ان مذهب الامامية القول بحدوث القرآن و خلقه، اذ لا قديم أزلي الا الله تعالي، و هو متكلم - و كلم الله موسي تكليما - بمعني خلق كلاما كسائر الأشياء.

و ليس الكلام ذاتيا نفسيا مركبا حروف و أصوات يقومان بذاته و هو قديم، كما يقول أحمد بن حنبل و أزلامه.

و قد سكت أهل البيت (ع) اجمالا عن التصريح و الادلاء برأيهم في المسألة، مع أنهم (ع) يتدخلون في بيان أي صغيرة في الشريعة، و خاصة اذا كانت تمس الكيان الاسلامي.

أما سر سكوتهم (ع) فكسرا لليد التي كانت تعمل علي التفرقة بين المسلمين، و حسما و تحاشيا لمادة الخصام و التشاجر، مع أن هذه المسألة لا تدخل في صميم العقيدة، و قد يكون المروج لهذه الفكرة هي السلطة



[ صفحه 214]



نفسها، لتشغل المسلمين بأمورهم في غني عنها، و تبعدهم عن الخوض في المسائل الأساسية العقيدية أو الفقهية أو السياسية و ما أشبه.

نعم لم يكن السكوت مطلقا فقد روي الشيخ المفيد في أماليه بالاسناد الي أبي بصير قال: سمعت أباعبدالله (ع) يقول: لم يزل الله جل اسمه عالما بذاته و لا معلوم، و لم يزل قادرا و لا مقدور، قلت: جعلت فداك فلم يزل متكلما؟ قال: الكلام محدث، كان الله عزوجل و ليس بمتكلم، ثم أحدث الكلام [1] .

و كان الامام الصادق يتوقف في الاجابة عن المسألة.

فقد روي علي بن سالم عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد فقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال «هو كلام الله، و قول الله، و كتاب الله، و وحي الله، و تنزيله، و هو الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد» [2] .

فاذا قد وردت رواية واحدة أو اثنين مثلا في هذه المسألة، مع عدم الاعلان الشديد الصارم، كما ورد في ذم القياس مثلا - أكثر من مائة رواية - فلتحجيم الشقاق بين المسلمين لم تولي تلك الأهمية.

أما الامام الكاظم (ع) فانه سكت سكوتا مطلقا في المسألة، و لم يدل بأي قول حولها لشدة الاختلاف حينئذ فيها.

فقد حدث سليمان بن جعفر الجعفري قائلا: قلت لأبي الحسن موسي بن جعفر الكاظم (ع): يابن رسول الله ما تقول في القرآن فقد اختلف فيه من قبلنا؟ فقال قوم: انه مخلوق، و قال قوم: انه غير مخلوق،



[ صفحه 215]



فقال (ع): «أما اني لا أقول في ذلك ما يقولون، و لكني أقول انه كلام الله» [3] .

و بقيت هذه المسألة طي الكتمان الي زمن المتوكل العباسي، فقد ناصر مذهب الحنابلة [4] [5] .

و هنا وقف الامام الهادي (ع) مدليا برأيه، لعدم انتشار عقيدة فاسدة، و لكنه بقي متحرزا من الفتنة، مبديا رأيه بأسلوب مرن، فكتب الي بعض شيعته قائلا:

بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله و اياك من الفتنة، فان يفعل فقد أعظم بها نعمة، و أن لا يفعل فهي الهلكة.

نحن نري أن الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل و المجيب، فيتعاطي السائل ما ليس له، و يتكلف المجيب ما ليس عليه، و ليس الخالق الا الله عزوجل، و ما سواه مخلوق، و القرآن كلام الله، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين، جعلنا الله و اياك من الذين يخشون ربهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون [6] .


پاورقي

[1] توضيح المراد ص 467 نقلا عن الكافي و الصدوق في باب صفات الذات، دراسات في العقيدة الاسلامية 186.

و لعل الادلاء برأيه هنا كان سرا لأبي بصير، لأنه المعروف عن أهل البيت (ع) هو السكون الاجمالي في المسألة.

[2] التوحيد للصدوق باب القرآن ما هو الحديث 2، ص 223.

[3] التوحيد 224 و الأمالي 330.

[4] الالهيات ج 1 ص 220، أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 58.

[5] اضافة الي أن كلمة مخلوق تأتي بمعني مكذوب و مفتعل، قال تعالي (انما تعبدون من دون أوثانا و تخلقون أفكا) (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ان هذا لا اختلاق). فكان اطلاق هذه اللفظة في حق القرآن موهما لكونه كذبا، فاستعملت كلمات أهل البيت، بلفظ محدث و كلام الله و كتابه و وحيه.

[6] المصدر السابق حديث 4.