الأئمة تشجب مذهب الواقفية
و بما أن هذا المذهب قد وجد أنصارا، و كاد أن يتفشي في الأوساط اللاسلامية، مع وجود الأرضية المناسبة لانتشاره، نتيجة الأموال التي يطمع بها محبي الدنيا، فقد تنبأ الأئمة (ع) له من قبل و أدانوه كما ذكرنا.
[ صفحه 228]
ثم بقيت الادانة به الي زمن الامام العسكري (ع) و هم يستنكرون ذلك أشد الاستنكار، و بهذا انفصم هذا المذهب و لم يعد له ذكر، و انقرض من جذعه، بل اقتلع من جذوره.
فعن ابراهيم بن أبي البلاد عن أبي الحسن الرضا (ع): قال: ذكرت الممطورة و شكهم، فقال: يعيشون ما عاشوا علي شك ثم يموتون زنادقة [1] .
و عن يحيي بن المبارك قال: كتبت الي الرضا (ع) بمسائل فأجابني، و ذكرت في آخر الكتاب قول الله عزوجل (مذبذبين بين ذلك لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء) فقال: نزلت في الواقفة، و وجدت الكتاب كله بخطه «ليس هم من المؤمنين و لا من المسلمين، هم ممن كذب بآيات الله، و نحن أشهر معلومات فلا جدال فينا، و لا رفث و لا فسوق فينا، انصب لهم يا يحيي من العداوة ما استطعت» [2] و قوله (ع) أشهر معلومات. فالأئمة (ع) اثناعشر اماما كالأشهر فلا تنقص و لا تزيد و الا لا ختل تقويم الزمن.
أما الامام الجواد (ع) فقد قال «الواقفة هم حمير الشيعة» ثم تلا هذه الآية (ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) [3] .
و قوله (ع) أيضا في قوله تعالي (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) قال: «نزلت في النصاب و الزيدية، و الواقفة من النصاب» [4] أما الامام العسكري (ع) فقد روي ابراهيم بن عقبة، قال: كتبت الي العسكري (ع) «جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في صلاتي؟ قال: نعم اقنت عليهم في صلاتك» [5] .
فكأن الحيلة قد نفذت بدعوتهم الي الهداية، و ارشادهم عن الغواية، فلم يلقوا آذانا صاغية - كالحمير - فلذا لجي ء الي الدعاء عليهم أخيرا بحول من الله و قوته.
[ صفحه 229]
فذمهم و قدحهم من الأئمة قبل الكاظم (ع) و بعده، و عدهم من النصاب و الكفار و الحمير و... لأنهم وبالا علي الشيعة، و قد عاثوا في الأرض فسادا، و لم يرض أهل البيت (ع) بعد هذه الطائفة منهم، لأنهم مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية، و كفر بعضهم برب أماته عند موته [6] و رجع من جراء ذلك الكثير منهم الي الحق، و ردوا الأموال الي الامام الرضا (ع) كعثمان بن عيسي، و عبدالرحمن بن الحجاج، و رفاعة بن موسي، و يونس يعقوب، و جميل بن دراج و غيرهم الكثير [7] ، و كذا لكثرة ما ورد في ذم الواقفة و التبري ء منهم، لم يتمكن أحد من الافتراء علي أي من الأئمة بعده بالوقف، بخلاف ما حصل من التوقف و الاختلاف في الأئمة بعد علي (ع)، فقد قال بعضهم بامامة محمد بن الحنفية بعده، لا بامامة ولديه الحسن ثم الحسين (ع) و هم الرزامية أتباع الرزام، و بعده بامامة عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب ثم في ولده [8] .
و المختارية قالوا ان الامامة بعد علي (أو الحسن و الحسين) لمحمد بن الحنفية [9] .
و الزيدية أتباع زيد بن علي قالوا بامامته و لم يقروا بامامة الباقر (ع) [10] و فرقة توقفت علي الباقر و قالوا بحياته و انه لم يمت و سيرجع الي الحياة، و لم أقف علي أي اشعار بتسمية هذه الفرقة [11] .
أما بعد وفاة الصادق (ع) فقد تعددت المذاهب، فالناووسية قالوا ان الصادق (ع) حي لم يمت و لن يموت و هو القائم المهدي. و الفطحية، قالوا بامامة عبدالله الأفطح ابن الامام الصادق، و الاسماعيلية قالوا بامامة اسماعيل بن الصادق (ع).
و الواقفية - و هو المذهب الذي نتحدث عنه - توقفوا في حال الامام
[ صفحه 230]
الكاظم فمنهم من قال بموته، و منهم من شكك في ذلك.
و أما بعد الاعتراف بموت الامام الكاظم (ع) و الادانة بامامة الامام الرضا (ع)، فقد استقر الأمر عليه و فيما بعده.
فلذا وردت الأحاديث في فضل زيارته ما لا يحصي من الثواب، لأنه لا يزوره الا الخلص من الشيعة و هم الاثنا عشرية.
[ صفحه 233]
پاورقي
[1] البحار ج 48 ص 268.
[2] رجال الكشي ص 287.
[3] بحار ج 48 ص 267.
[4] رجال الكشي ص 287 - 286.
[5] رجال الكشي ص 287 - 286.
[6] البحار ج 48 ص 250 و ما بعد.
[7] البحار ج 48 ص 250 و ما بعد.
[8] الأنوار النعمانية ج 2 ص 239.
[9] الملل و النحل ج 1 ص 133.
[10] نفس المصادر و الشيعة بين الأشاعرة و المعتزلة.
[11] الملل و النحل ج 1 ص 147.