بازگشت

التبرؤ من قتله


اللص و ان تواري خلف الجدار، و لكن الظل لا يخفي في واضحة النهار، و الأصبغة و ان طلت الوجه القبيح، و لكنها لا تطمس الأثر الوضيح، و البرقع لا يستر القلوب المريضة، جهد هارون و أزلامه، بكل وسيلة لدفع التهمة عن أنفسهم، بجلب الأطباء تارة، و بالخروج في جنازته تارة أخري، و التأسف لموته و... لازالة البقع الملطخة بالدماء عن هندامهم، و لتنقية ساحتهم مما ألقي فيها من تهم، و لكن هيهات هيهات، بعد أن فضح الله أسرارهم، و بقي العار يلاحقهم الي الأبد.

دس هارون السم الي الامام (ع) و خرج الي المدائن أو الشام [1] .

و لم يبق في بغداد، حتي لا يؤخذ به و لا يتهم، اذ أن السم الذي قتله به (ع) بقي يسري في بدنه ثلاثة أيام، الي أن توفي (ع).

و هذه الحيلة لم تنطو علي أحد. فحتي و لو خرج، و لكنه هو الذي أوعز الي يحيي أو السندي بقتله.

روي في عيون أخبار الرضا و غيره عن عمر بن واقد قال: أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد يستحضرني، فخشيت أن



[ صفحه 245]



يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي بما احتجت اليه و قلت: انا لله و انا اليه راجعون، ثم ركبت اليه. فلما رآني مقبلا قال: يا أباحفص لعلنا أرعبناك و أفزعناك؟ قلت: نعم. قال: فليس هنا الا خير قلت: فرسول تبعثه الي منزلي تخبرهم خبري فقال: نعم. ثم قال: يا أباحفص أتدري لم أرسلت اليك؟ فقلت: لا فقال: أتعرف موسي بن جعفر؟ فقلت: أي والله اني لأعرفه، و بيني و بينه صداقة منذ دهر فقال: من ههنا ببغداد يعرفه، ممن يقبل قوله؟ فسميت له أقواما و وقع في نفسي أنه (ع) قد مات. قال: فبعث و جاء بهم كما جاء بي فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسي بن جعفر؟ فسموا له أقواما فجاء بهم، فأصبحنا و نحن في الدار نيف و خمسين رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر و قد صحبه.

قال: ثم قام فدخل و صلينا، فخرج كاتبه و معه طومار، فكتب أسماءنا و منازلنا و أعمالنا و حلانا، ثم دخل الي السندي قال: فخرج السندي فضرب يده الي فقال لي: قم يا أباحفص فنهضت و نهض أصحابنا، و دخلنا فقال لي: يا أباحفص اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت، ثم قال للقوم: انظروا اليه فدنا اليه واحد بعد واحد، فنظروا اليه ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر بن محمد؟ فقلنا: نعم نشهد أنه موسي بن جعفر بن محمد (ع) ثم قال: يا غلام اطرح علي عورته منديلا و اكشفه قال: ففعل قال: أترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نري به شيئا و لا نراه الا ميتا، قال: فلا تبرحوا حتي تغسلوه و أكفنه و أدفنه قال: فلم نبرح حتي غسل و كفن و حمل فصلي عليه السندي بن شاهك و دفناه و رجعنا فكان عمر بن واقد يقول: ما أحد هو أعلم بموسي بن جعفر مني كيف يقولون انه حي و أنا دفنته [2] .

و بقول السندي أتعرفون موسي بن جعفر؟ يتبين مدي التحجير الذي تعرض اليه الامام (ع) مع المنع من لقائه، مع أن هارون بعث خلف الامام الي بغداد و حبسه بها سنة 177 [3] و بقي الي وفاته (ع) فهذه السنون الطويلة



[ صفحه 246]



التي بقي بها في بغداد، لم يتاح له الاتصال بالأمة، بل بقي مغمورا.

اضافة الي كون السندي سأل الامام الاذن له بتكفينه قائلا له: أحب أن تدعني أكفنك، فأبي (ع) و قال «انا أهل بيت حج صرورتنا و مهور نسائنا و أكفاننا من طهور أموالنا» [4] .

بل اعترف السندي بذلك قائلا: كنت سألته في الأذن لي أن أكفنه فأبي و قال: «انا أهل بيت مهور نسائنا و حج صرورتنا و أكفان موتانا من طاهر أموالنا و عندي كفني...» [5] و في هذا اشارة من الامام باختلاط أموالهم بالحرام، و أنه يتنزه عن ذلك.

أما هارون فانه رجع أو عاد من سفره فورا لما علم الخبر، و حضر جنازة الامام (ع) فجمع شيوخ الطالبية و بني العباس و سائر أهل المملكة، فقال: هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه، و ما كانت بيني و بينه ما استغفر الله منه في أمره، يعني في قتله، فانظروا اليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا الي موسي بن جعفر، و ليس به أثر جراحه و لا خنق [6] .

مع أنه مما لا يشك فيه أحد، أنه وضع قيد سجونه مع البراءة من قتله، كيف يوهم للناس بقوله ما كان بيني و بينه ما استغفر الله منه.

ثم قبل وضعه في القبر أشهد السندي أيضا علي شفر قبره أنه لم يحدث به حدثا، و هذا كقول القائل «كاد المريب أن يقول خذوني».


پاورقي

[1] غيبة الشيخ الطوسي 19، البحار ج 48 ص 231 - 248.

[2] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 97، الأنوار البهية (للشيخ عباس القمي) 169.

[3] الصواعق المحرقة ص 204 مسند الامام الكاظم (ع) باب شهادته.

[4] الكافي ج 1 ص 381.

[5] الارشاد للمفيد ص 283، نور الأبصار للشبلنجي 151، كشف الغمة ج 3 ص 28.

[6] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 105، اليعقوبي ج 2 ص 414.