بازگشت

النداء علي جسر بغداد


الحقد مهما كان دفينا، فلابد من شطحات اللسان تخرج من الجنان و يشار اليها بالبنان.

لم تجر مراسيم التشييع، بل لم يتحرك الكرسي الملكي، و لكن أمر السندي بن شاهك، بعض غلمانه أن يحملوا النعش المبارك و يجولوا به في الأسواق [1] و يوضع علي جسر بغداد ليتفرس بوجهه القريب و البعيد.

و ليقهروا شيعته بذلك بأن أمامكم مات و لم يعتني به فما بالكم تخوضون حصولا علي الملك و الخلافة.

و اذا بالنداء «هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه هو القائم لا يموت فانظروا اليه» [2] فاذا بالحشود ما بين باك مستتر بدمعته، لئلا تكون مكيدة من السلطة، ليعرف أصحابه، و بين لاطم علي الاسلام، و ما حل علي أبناء رسول السلام، و علي الذرية الطاهرة من أولاده الكرام.

و في روايات أخر أنه (ع) أمر بالنداء «ألا من أراد أن يري الخبيث ابن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج» [3] .

و لكن هذه الرواية مشكوكة من عدة جهات.

1 - السندي تبرأ من قتله، فكيف ينادي عليه بهذا النداء، فيكون حينئذ قد ألصق التهمة في نفسه.

2 - أظهر الرشيد حزنه علي موت الامام (ع)، فلم لم يظهر غضبه من فعله، و لو صورة امام الرعية لينفي التهمة عن نفسه.



[ صفحه 248]



3 - أقر القاصي و الداني بفضل الصادق (ع) فكيف يجرؤ السندي بالاقدام علي هذا النداء الذي فيه هتك لآل العباس ككل أيضا.

4 - وردت روايات متضافرة بالنداء عليه، بأنه امام الرافضة [4] ، دون هذا النداء الخبيث، فلم لم تتناقله الألسن - و خاصة أنه هتك للاسلام ككل - و قد سكت حتي أكبر الأصحاب عن ذلك.

اضافة الي كون الرواية ضعيفة بجهالة بعض رواتها، فلا يمكن الاعتماد عليها. و أظن أن هذه الرواية وضعت لاهانة المذهب، و أن أصحابه لم يحركوا ساكنا بسماع هذا الخطاب الفظيع.

فان الظلم و ان كان حالكا، و الجور و ان كان ملبدا، و الامام [5] و ان وضعت جثته أمام مجلس الشرطة، لتترقب الحركات، و لتكبل و تقيد الأيدي التي ترفع شعار الحق، و لكنها هل تستطيع، تكبيل الألسن الصارخة، و لو في فوهة البئر، ان لم تكن في فوهة المدفع.

مع النظر الي أن الامام (ع) قد بقي ثلاثة أيام علي الجسر [6] ، و لم يبق بيت من بيوت بغداد الا و وصله ذاك الخبر المرعب.

وقوع السندي في الماء.

بينما اللعين ينادي علي الامام (ع) و اذا بفرسه ينفر نفرة فألقاه ففي الماء و فرق الله جموع يحيي بن خالد.

و لكنه حسب ذكره في التاريخ يظهر أنه نجا بعد ذلك، و لكن وقوعه من الجسر في الماء، عبرة، ليقع مريضا مكسورا في روحه و جسده.


پاورقي

[1] روي أن السوق الذي وضع فيه النعش الشريف، سمي سوق الرياحين، و بني علي الموضع بناء، و جعل عليه باب لئلا يطأه الناس بأقدامهم، و ليتبرك بزيادته. (الأنوار البهية).

[2] الارشاد للمفيد ص 281، المجالس السنية ج 2 ص 549، نور الأبصار ص 152.

[3] المجالس السنية ج 2 ص 549، كمال الدين ص 38.

[4] بحارالأنوار ج 48 ص 234 - 231 - 227، الأنوار البهية 171 - 169، الفصول المهمة ص 240، كشف الغمة ج 3 ص 27، الارشاد ص 281.

[5] بحار ج 48 ص 248.

[6] المناقب ج 4 ص 328.

ذكر في الكامل في التاريخ في حوادث سنة 198، و كذا الطبري في حوادث 199.