بازگشت

الارادة التكوينية و الارادة التشريعية


قال الامام الكاظم عليه السلام: ان لله ارادتين و مشيئتين: ارادة حتم، و ارادة عزم. ينهي و هو يشاء، و يأمر و هو لا يشاء، أو رأيت أنه نهي آدم و زوجته أن يأكلا من الشجرة، و شاء ذلك، و لو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالي.

و أمر ابراهيم أن يذبح ابنه اسماعيل و لم يشأ أن يذبحه و لو شاء لما غلبت مشيئة ابراهيم مشيئة الله تعالي [1] .

و بيان مراده عليه السلام ان الارادة تنقسم الي الارادة التكوينية الحقيقية، و الي الارادة التشريعية الاعتبارية، فارادة الانسان التي تتعلق بفعل نفسه ارادة تكوينية تؤثر في أعضائه الي ايجاد الفعل و يستحيل معها تخلف الأعضاء عن المطاوعة الا لمانع. و أما الارادة التي تتعلق بفعل الغير كما اذا أمر بشي ء أو نهي عنه فان هذه الارادة ليست تكوينية بل هي تشريعية لأنها لا تؤثر ايجاد الفعل أو تركه من الغير بل تتوقف علي الارادة التكوينية له.

و أما ارادة الله التكوينية فهي التي تتعلق بالشي ء، و لابد من ايجاده و يستحيل فيها التخلف، و اما ارادته التشريعية فهي التي تتعلق بالفعل من حيث انه حسن و صالح، و اما نهي الله لآدم عن الأكل من الشجرة و قد شاء ذلك و أمره تعالي لابراهيم بالذبح لابنه اسماعيل و قد شاء ذلك فان النهي و الأمر فيهما تشريعيان، كما ان المراد بالمشيئة هي المشيئة التكوينية، و قد صرحت الرواية بأن ابراهيم قد أمر بذبح ولده اسحق دون اسماعيل، و هو مخالف لما تضافرت به الأخبار الواردة عن أئمة الهدي عليهم السلام بأن الذي جعل قربانا للبيت الحرام هو اسماعيل دون اسحق.

و هنا يتوضح دور الامام موسي عليه السلام في الدفاع عن العقيدة الاسلامية و ابطال حجج الملحدين و أفكارهم المزيفة و تفنيده لشبههم.

و لا يخفي ما ظهر في عصر الامام من موجات الحادية فجرها المعادون



[ صفحه 154]



للاسلام عندما وجدوا ان لا وسيلة لهم لمقاومته الا باشاعة ترهاتهم الباطلة ليضعفوا الجانب العقائدي بين المسلمين. و لكن لم تلبث هذه الأفكار، و قبرت تلك الأضاليل و البدع بواسطة المساعي الحميدة و الهمم العالية التي بذلها أهل البيت عليهم السلام من أجل صيانة الاسلام و حمايته من شبهة الملحدين و مكاليد المضللين.

ان تلك الموجات الالحادية التي انتشرت في ذلك العصر تدل علي أن المجتمع كان يعيش عيشة متحللة يسودها الشك في العقيدة الاسلامية و الخلاف المذهبي. و مما لا شك فيه ان لاحتجاجات الأئمة عليهم السلام الأثر الفعال في ارجاع المسلمين الي طريق الحق و الصواب و مقاومتهم للغزو العقائدي الذي مني به العصر العباسي. فقد كان في أغلب أدواره عصر لهو و مجون قد أقبل الناس فيه الي الاستمتاع بجميع أنواع المحرمات فاندفعوا علي الطرب و الغناء و شرب الخمر و الميسر و منادمة الجواري و الغلمان و غيرها من المحرمات.

و قد شجعهم علي ذلك الحكام الذين غرقوا في المحرمات و الآثام، و سار الناس علي مسراهم حيث لا حسيب و لا رقيب.

و اذا أردنا مثلا دالا علي تسيب الأخلاق في ذلك العصر فلنا شعراء العصر العباسي فقد كانوا يمثلون المجتمع في جميع اتجاهاته و ميوله تمثيلا صحيحا. فقد كان شعرهم يصف القيان و الخمر، و اللذة و الشهوات و أكثر ما أثر عنهم في هذا المجال و صمة عار في تاريخ الأدب العربي فأبونواس كرس كل مجهوده الفكري علي وصف: الكؤوس و الأكواب و السقاة و الدنان، و الخمارين و الندمان. و لم يفته أن يذكر أصناف الخمور، و طريقة صنعها و طعمها و لونها و رائحتها مما جعله يلتفت الي كل ما يتصل بها و يحس بها بما لم يحس بها غيره. فقال:



لي نشوتان و للندمان واحدة

شي ء خصصت به من بينهم وحدي



و قد وصل به حبه للخمر الي درجة العبادة و التقديس.

و قد تحولت بغداد الرشيد و المنصور و الهادي.. الي دور للهو و العبث و المجون. فانساب الناس وراء الشهوات و نبذوا القيم الاسلامية السامية و أدي ذلك



[ صفحه 155]



الي انحطاط في الأخلاق و انغماس في الاثم و المنكر. و مما لا شك فيه ان سياسة الحكم العباسي هي المسؤول عن هذه الموجة من التحلل و اللهو و اشاعة المنكر و الفساد.

لذلك كله عمد أهل البيت عليهم السلام الي الوقوف في وجه هذا التيار الفاسد و بدأوا بارشاداتهم و نصحهم و توضيحهم أمور الدين الحنيف ورد الشبهات و الانحرافات. و من هذه الأدوار الاصلاحية الهامة دور الامام الكاظم الذي أكمل مسيرة آبائه و أجداده الكرام فأجاب علي كل الأسئلة و الشبهات و كان لنا من مناظراته و احتجاجاته.


پاورقي

[1] أصول الكافي ص 151.