بازگشت

في حقيقة الصبر


من المعلوم ان الحرب قائمة علي قدم و ساق بين باعث الدين و باعث الهوي و مكان المعركة بينهما قلب المؤمن. و لكن مدد باعث الدين من الملائكة الناصرين



[ صفحه 168]



لحزب الله، و مدد باعث الهوي من الشياطين الناصرين لأعداء الله، فالصبر عند ذلك عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوي و الشهوة.

و الصبر ضربان: بدني و نفسي.

- بدني كتحمل المشاق في السفر أو الأعماق الشاقة من العبادات، أو المرض الشديد أو الجراحات و التعذيب.

- و نفسي: و هو الصبر علي مشتهيات الطبع، و مقتضيات الهوي، فان كان علي احتمال مكروه اثر مصيبة اقتصر علي اسم الصبر.

و ان كان عن شهوة البطن و الفرج سمي عفة، و ان كان في الحرب سمي شجاعة، و ان كان في نائبة من نوائب الزمان الصعبة سمي سعة الصدر. و ان كان في اخفاء كلام سمي كتمانا و ان كان في فضول العيش سمي زهدا، و ان كان في كظم الغيظ و الغضب سمي حلما. و الامام الكاظم هو من أفضل الحالمين لكثرة صبره و كظم غيظه، و لهذا سمي بالكاظم.

و العبد في جميع الأحوال لا يستغني عن الصبر في حياته الخاصة و العامة، لأن ما يلقاه في الدنيا اما أن يوافق هواه، و اما يكرهه، و حاله غير خارج عن هذين الضربين و هو لا محالة محتاج الي الصبر في كل منهما.

و هناك صبر لا يقع تحت الاختيار كالمصائب مثل الموت لبعض الأحباب و هلاك الأموال و زوال الصحة بالمرض و سائر أنواع البلاء.

و هذا النوع من الصبر مستند الي اليقين. قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بما مضمونه:

«أسألك من اليقين ما يهون به علي مصائب الدنيا». و قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: الصبر ثلاثة: صبر علي المصيبة، و صبر علي الطاعة، و صبر عن المعصية؛ فمن صبر علي المصيبة حتي يردها بحسن عزائها، كتب له ثلثمائة درجة، ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين السماء الي الأرض، و من صبر علي الطاعة، كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين تخوم الأرض الي العرش، و من صبر علي المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين تخوم الأرض الي منتهي العرش. [1] .



[ صفحه 169]



و الانسان قد يخرج عن مقام الصابرين بالجزع الزائد و المبالغة في الشكوي، و هذه بلا ريب داخلة تحت الاختبار، فينبغي أن يتجنب جميعها و يظهر الرضا بالقضاء.

و يروي أنه لما مات ابراهيم ولد النبي صلي الله عليه و اله و سلم فاضت عيناه بالدموع فقيل له: أما نهيتنا عن هذا؟ قال صلي الله عليه و اله و سلم بما مضمونه: «ان هذا رحمة و انما يرحم الله من عباده الرحماء»، و قال صلي الله عليه و اله و سلم: «تدمع العين و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب».

و سئل الامام الباقر عليه السلام عن الصبر الجميل؟ فقال: ذاك صبر ليس فيه شكوي و اما الشكاية الي الله تعالي فلا بأس بها كما قال يعقوب: (انما أشكو بثي و حزني الي الله).

و لكن لكل داء دواء فهل للصبر من دواء أو علاج؟؟

نعتقد ان الذي أنزل الداء أنزل الدواء: و وعد بالشفاء، فالصبر و ان كان شاقا يمكن تحصيله بتقوية باعث الدين و تضعيف باعث الهوي بالمجاهدة و الرياضة الروحية. فمن يكثر فكره فيما ورد في فضل الصبر يعلم ان ثوابه علي المصيبة أكثر مما فات و انه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة اذ فاته ما لا يبقي معه الا مدة الحياة الدنيا و حصل له ما يبقي بعد موته أبد الدهر.

و هذا ما يحصل كل يوم مع أهالي المجاهدين الأبطال في المقاومة حيث نجد العديد من الآباء و الأمهات الذين فقدوا أبناءهم في هذه الدنيا فصبروا صبرا جميلا مقوين باعث الدين و مضعفين باعث الهوي بالمجاهدة و الرياضة، عاملين بقول الرسول الأكرم الذي قال صلي الله عليه و اله و سلم: «أسألك من اليقين ما يهون به علي مصائب الدنيا».


پاورقي

[1] أصول الكافي، ص 353.