بازگشت

كيف تقاس الأعمال؟


الاسلام قد نظر الي الدوافع الذاتية التي تدفع الانسان الي عمل الخير نظرة موضوعية أصيلة، و بني الأعمال علي أساس «النية» و قال: «الأعمال بالنيات».

لكل عمل يقوم به الانسان جانبان، لكل منهما حساب مستقل علي حدة فمن



[ صفحه 173]



الممكن أن يكون عمله خيرا من جهة و لا قيمة له من جهة أخري.

فهنا يجب أن ينظر الي ما حمل فاعله عليه من الدوافع النفسية و الروحية و حكمنا في مثل هذه الأعمال يستند الي القيم الخاصة الاجتماعية و الخارجية للعمل، و لا موضوعية لنية الفاعل من هذا المنظار. المهم النتيجة الايجابية فلا يفرق لدينا ان يكون هدف المحسن من احسانه الرياء و المنافع المادية، أو يكون له في عمله دافع قيم، و ان تكون هناك نية صافية نزيهة في هدف عمله. فالعمل الصالح في النظام الاجتماعي هو ما يكون نافعا للمجتمع، و لا علاقة له بما فيه للفرد من تكامل معنوي، و أنه بادر الي ذلك العمل بتأثر من أي دافع أو عامل؟.

في شريعة الله لا ينظر الي كمية العمل، بل الي كيفية العمل و أثره النفسي و الذاتي في شخص الفاعل، فهذا الذي يتقبله الله تعالي.

في هذا المجال الحساب يتبع ما بين الفعل و الفاعل من الرابطة، و بأي نية أو هدف أقدم علي ذلك العمل، فلو كان قد بادر الي ذلك العمل الصالح بدافع الرياء فان نفسه لم تتقرب بذلك الي الله تعالي بل ابتعد و خاب ظنه، و لا يكفي لتلقي العمل الصالح لديه أن يكون مفيدا للمجتمع فحسب بل العمل الاجتماعي المفيد انما يكون نافعا بالنظر الي التكامل المعنوي فيما اذا كانت الروح خارجة عن حصار الرياء و الأهواء الشخصية الي الصفاء في النية و الخلوص الي الله تعالي.

قال الله تعالي في كتابه العزيز: (و ما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) [1] .

و عن الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله و سلم: «انما الأعمال بالنيات».

فثبوت الايمان بالله هي النية المعنوية، و عندئذ يتصف العمل بالقيمة الخالصة و سيكون صاحب هذا العمل مورد لطف الله و عنايته و حمايته. فالانسان الذي لم تسطع أشعة الله علي روحه هو خال من الايمان و الاخلاص، انما يدفعه الي القيام بالأعمال الميول النفسانية و الشهرة الدنيوية الفانية، انه بدأ عمله خلوا من روح الحقيقة و أنهاه ليظهر فضائله الانسانية علي الملأ بغية احترامه و تقديره.



[ صفحه 174]



هذا الهدف غير القيم يكون السبب الأساسي في رد عمله، و يصبح عمله لا قيمة له عند الله تعالي، و لا تعود منه عائدة سوي ذلك الهدف المحدود الذي كان يهدف اليه ليفيده في حياته الحاضرة.

و هذا ما نلاحظه اليوم عند أكثر المرشحين للنيابة في الانتخابات حيث يبدأ نشاطهم في اعمار المساجد و لم يدخلوها الا وقت التدشين، و ينفقون الأموال الطائلة علي الموائد الشهية، و المظاهر الفارغة، و التبرعات الخاصة لذوي الحاجات. كل ذلك لاظهار كرمهم الزائف و افتخارهم أمام الناس لكسب رضاهم.

هؤلاء عطاؤهم مردود عند الله، لأنهم لم يكونوا مخلصين في نواياهم، و لم يعملوا لكسب رضا الله، بل همهم رضا الناس من أجل مصالحهم الخاصة. لكنهم لو عقلوا أكثر لأخلصوا في نواياهم و كسبوا رضا العباد، - و رضي رب العباد. قال تعالي: (و الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس و لا يؤمنون بالله...) [2] .

أما الذين يتمتعون بالثقة بأنفسهم و يعتمدون علي أعمالهم فلا يشعرون بحاجة الي الرياء لأنهم لا يعانون من أي مرض نفسي. و قد وصفهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: «لسان المرائي جميل، و في قلبه داء دخيل» [3] .

و فيه عنه عليه السلام قال: «الافتخار من صغير الاقدار». يقول عالم نفسي كبير:

«من الوسائل التي نتوسل بها لجلب انتباه الآخرين عند الفشل و خيبة الأمل و عدم التوفيق، هو الاطراء في الثناء علي أنفسنا، نتصور الأعمال التي نحب لو كنا نعملها لو كنا نحصل عليها، و كأنها كانت و حصلت فننسبها الي أنفسنا، أو نقنع من أنفسنا أن نتحدث دائما عن الأفعال التي عملناها و أن نعظمها مهما كانت صغيرة و حقيرة بدلا من الأعمال التي لم نعملها و الموفقيات التي لم نحصل عليها».

هذه الفئة من الناس ينخدع أفرادها بجزافاتهم و يرضون عن أنفسهم مخدوعين بحيث تفوتهم أية فرصة للسعي و التوفيق.



[ صفحه 175]



ولو كان الثناء علي النفس يريح صاحبه من خيبة عدم التوفيق في الأعمال و عدم اجتذاب الناس الي نفسه، فيخدع بذلك المستمعين بصورة مؤقته، فان ذلك لن يعالج المرض الأصيل.

اما الذي يعمل أعمالا صالحة و يحصل من جزاء ذلك علي موقع محترم في قلوب الآخرين فلا حاجة له الي الثناء علي نفسه، فهو بدل ذلك يسعي و يعمل، و يحصل كل يوم علي أصدقاء مخلصين و تقدير خاص في مجتمعه.

و يقول عالم نفسي آخر: ان الثناء علي النفس يولد الانزعاج لدي الآخرين، فهو من جانب قد يشتمل علي شي ء من الكذب و التزوير، و من جانب آخر هو ينشأ من الجهل و الحماقة. ان من يتحدث عن صفة خاصة في نفسه و بصورة مستمرة قد يكون فاقدا لها. (و فاقد الشي ء لا يعطيه). و اعلموا أن الذين يتحدثون عن نجاحاتهم و مظاهر نشاطاتهم، و حسن تدبيرهم يفقدون بلا ريب مثل هذه المزايا.

و لا ينبغي أن ننسي أن الكذب حبله قصير، و لا يدوم كثيرا حتي ترتفع الحجب و الستائر عن وجه الحقيقة، و حينئذ يفقد المرء كل مكانته و وجاهته بين أفراد مجتمعه مهما حاول التستر. و في ذلك قال أحد الشعراء:



و مهما يكن عند امري ء من خليقة

و ان خالها تخفي عن الناس تعلم



هؤلاء أظهروا الحقيقة بوجه مخادع يخالف الحق و ذلك بغية تحقيق أهداف خاصة و مصالح شخصية.

و النفاق هو أعلي درجات الكذب و أحقرها حيث يظهر المنافق غير ما يبطن فيلهج بلسان ذلق مخادع و قلبه يضمر العكس تماما و هو ما سمي بذي الوجهين. من هنا سمي الرجل الذي يظهر الايمان و يبطن الكفر منافقا [4] فهو كذب عملي فعلي. و من هذا النوع الذين يظهرون صداقتهم و يبطنون عداوتهم. و كل من يظهر بمظهر ينافي حقيقة هو منافق حقير مذموم، قلبه مريض. قال تعالي:



[ صفحه 176]



(اذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم و من يتوكل علي الله فان الله عزيز حكيم) [5] .


پاورقي

[1] سورة البينة، الآية: 5.

[2] سورة النساء، الآية: 38.

[3] رسالة الأخلاق عن غرر الحكم ص 106.

[4] و قد اشتقته العرب من النافقاء و هو احدي حجرة اليربوع يخفيه و يظهر غيرها ليلجأ اليها عند الحاجة.

[5] سورة الأنفال، الآية 49.