بازگشت

الحب الخالص و الود الخالد


و هل أروع و أعظم من هذا الرباط الوثيق الذي يجعل المسلمين كالبنيان المرصوص! قال تعالي في كتابه العزيز: (انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين أخويكم، و اتقوا الله لعلكم ترحمون) [1] و قد عرض سبحانه لدفع البشر الي هذه المحبة الصافية النزيهة بواعث و أشواقا، و لذلك أوجد في ضمير الانسان حبا للذات متوازنا و متناغما، و يبلغ في تعاليمه الي قاعدة ينطلق في ظلها من قيود الغرور و عبادة الذات بحيث لا يظهر فيه اتجاه مفرط في حبه لذاته. و هذا علي عكس ما وجدنا عند هارون و المنصور و الهادي... ان الكبرياء يختص بذات الله وحده لا شريك له، الله الذي لا يتطرق اليه الفقر و الحاجة، بل تحتاج اليه جميع الموجودات من جميع الجهات:

قال تعالي: (يا أيها الناس انتم الفقراء الي الله و الله هو الغني الحميد) [2] .

و الاصابة بالغرور و حب الظهور و التعالي علي الناس هو انحراف أكيد عن البرامج الآلهية. و القرآن الكريم يلفت نظر المغرور الي عجزه و احتقاره و بذلك يهبط بروح القوة عنده من قمة الخيالات الواهبة الي حضيض الهاوية فيقول تعالي:

(و لا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا) [3] ان من لا ينصرف عن النظر الي المبدأ الأعلي للوجود لا تسيطر عليه في



[ صفحه 185]



مواقع الرفاهية و العنعمة حالة الغرور بل يبقي علي ما هو عليه، اذ أن الاسلام يدعو الي التواضع و الاعتدال، و لا يجب الكبر و الاستعلاء دعا الله جل و علا رسوله الكريم ليتواضع و يلين جانبه مع الناس قال تعالي: (فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل علي الله ان الله يحب المتوكلين) [4] .

و قال صلي الله عليه و اله و سلم: «ان العفو لا يزيد العبد الا عزا، فاعفو يعزكم الله و ان المتواضع لا يزيد العبد الا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، و ان الصدقة لا تزيد المال الا انماء، فتصدقوا يزدكم الله».

و قال الامام الكاظم عليه السلام: «اياك و الكبر فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، الكبر رداء الله فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه»

و سبب وجود الغرور و القيم الكاذبة المسيطرة علي الروح و المدركات هو عدم وجود القيم الآلهية في القلوب المؤمنة. ذلك أن المؤمن يتجنب كل خضوع مذل تنزل به شخصيته في مجتمعه، لأنه أمام ذات الكبرياء المقدسة التي تعطيه الدفع الكبير و القوة الهائلة في سائر حالاته. و الله تعالي يوصي أهل الايمان بهذه المزية الايمانية الخاصة في جميع المواقع و كل المراحل. قال تعالي: (و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين) [5] .

و الامام الكاظم عليه السلام قال: «ان قلوب المؤمنين مطوية».

روي الكليني عن علي بن جعفر عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: «ان الله خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة علي الايمان فاذا أراد استنارة ما فيها نضحها بالحكمة، و زرعها بالعلم، و زارعها و القيم عليها رب العالمين» [6] .

و هكذا قال قلب الامام الكاظم عليه السلام مزروعا بالحكمة و العلم و القيم من رب العالمين.



[ صفحه 186]




پاورقي

[1] سورة الحجرات، الآية 10.

[2] سورة فاطر، الآية 15.

[3] سورة الاسراء، الآية 37.

[4] سورة آل عمران، الآية 159.

[5] سورة آل عمران، الآية: 139.

[6] الكافي ج 2، ص 421.