بازگشت

مع هارون الرشيد


دخل اليه و قد عمد علي القبض عليه، لأشياء كذبت عليه عنده، فأعطاه طومارا طويلا فيه مذاهب و شنعة نسبها الي شيعته فقرأه عليه السلام ثم قال له: يا أميرالمؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا، و ربنا غفور ستور، أبي أن يكشف أسرار عباده الا في وقت محاسبته: (يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم) [1] .

ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات الله عليهم:

الرحم اذا مست اضطربت ثم سكنت، فان رأي أميرالمؤمنين أن تمس رحمي رحمه و يصافحني فعل. فتحول عند ذلك عن سريره و مد يمينه الي موسي عليه السلام فأخذ بيمينه ثم ضمه الي صدره، فاعتنقه و أقعده عن يمينه و قال: أشهد أنك صادق و جدك صادق و رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم صادق و لقد دخلت و أنا أشد الناس حنقا [2] و غيظا لما رقي الي فيك فلما تكلمت بما تكلمت و صافحتني سري عني و تحول غضبي عليك رضي.

و سكت ساعة ثم قال له: أريد أن أسألك عن العباس و علي بما صار علي أولي بميراث رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من العباس، و العباس عم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و صنو أبيه؟



[ صفحه 187]



فقال له الامام عليه السلام: أعفني. قال: و الله لا أعفيتك، فأجبني.

قال: فان لم تعفني فآمني. قال: آمنتك، قال موسي بن جعفر عليه السلام: ان النبي صلي الله عليه و اله و سلم لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر، ان أباك العباس آمن و لم يهاجر، و ان عليا آمن و هاجر، و قال الله: (و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي ء حتي يهاجروا) [3] فتغير لون هارون.

ثم تابع الرشيد فقال: ما لكم لا تنسبون الي علي و هو أبوكم و تنسبون الي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و هو جدكم؟ فقال الكاظم عليه السلام:

ان الله نسب المسيح عيسي بن مريم عليه السلام الي خليله ابراهيم عليه السلام بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالي: (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون، و كذلك نجزي المحسنين) [4] (و زكريا و يحيي و عيسي و الياس كل من الصالحين) [5] فنسبه لأمه وحدها الي خليله ابراهيم عليه السلام. كما نسب داود و سليمان و أيوب و موسي و هارون عليه السلام بآبائهم و أمهاتهم، فضيلة لعيسي عليه السلام و منزلة رفيعة بأمه وحدها. و ذلك قوله في قصة مريم عليهاالسلام: (ان الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك علي نساء العالمين) [6] .

بالمسيح من غير بشر. و كذلك اصطفي ربنا فاطمة عليهاالسلام و طهرها و فضلها علي نساء العالمين بالحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة فقال له هارون - و قد اضطرب و ساءه ما سمع -:

من أين قلتم الانسان يدخل الفساد من قبل النساء و من قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع الي أهله، فقال الامام الكاظم عليه السلام: هذه مسألة ما سئل عنها أحد من السلاطين غيرك، و لا تيم و لا عدي و لا بنوأمية و لا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها. قال الرشيد: فان بلغني عنك كشف هذا رجعت عما



[ صفحه 188]



آمنتك. فقال موسي عليه السلام: لك ذلك. قال عليه السلام: فان الزندقة قد كثرت في الاسلام و هؤلاء الزنادقة الذين يرفعون الينا في الأخبار، هم المنسوبون اليكم.

فقال هارون: فما الزنديق عندكم أهل البيت؟ فقال عليه السلام: الزنديق هو الراد علي الله و علي رسوله و هم الذين يحادون الله و رسوله. قال تعالي: (لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم) [7] .

و هم الملحدون، عدلوا عن التوحيد الي الالحاد.

فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد و تزندق؟ فقال عليه السلام: أول من ألحد و تزندق في السماء ابليس اللعين، فاستكبر و افتخر علي صفي الله و نجيه آدم عليه السلام فقال اللعين: (أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين) [8] فعتا عن أمر ربه و ألحد فتوارث الالحاد ذريته الي أن تقوم الساعة فقال هارون: و لابليس ذرية؟ فقال عليه السلام:

نعم ألم تسمع الي قول الله عزوجل: (الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه، أفتتخذونه و ذريته أولياء من دوني و هم لكم عدو بئس للظالمين بدلا. ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم و ما كنت متخذ المضلين عضدا) [9] فهل عرف الرشيد من أي فريق هو؟!

ثم قال له الرشيد: بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه فقال عليه السلام: نعم. و أوتي بدواة و قرطاس فكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، جميع أمور الأديان أربعة:

- أمر لا اختلاف فيه و هو اجماع الأمة علي الضرورة التي يضطرون اليها، الأخبار المجمع عليها و هي الغاية المعروض عليها كل شبهة و المستنبط منها كل حادثة و هو اجماع الأمة.



[ صفحه 189]



- و أمر يحتمل الشك و الانكار، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع علي تأويلها، و سنة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله و لا يسع خاصة الأمة و عامتها الشك فيه و الانكار له. و هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه و أرش الخدش فما فوقه. فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، و ما غمض عليك صوابه نفيته. فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه صلي الله عليه و اله و سلم:

(قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) [10] .

يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، لأن الله عدل لا يجوز، يحتج علي خلقه بما يعملون، و يدعوهم الي ما يعرفون لا الي ما يجهلون و ينكرون.

فأجازه الرشيد و أحسن لقاءه. و انصرف الامام عليه السلام و قد دل خصمه - المسمي بأميرالمؤمنين و خليفة المسلمين - علي أمور الدين كما أوضح له منزلة أهل البيت عليهم السلام و صحة أقوالهم و دعم ما ذهب اليه بأوثق الأدلة و البراهين و لا غرو فهذا الغصن الطيب هو من تلك الشجرة الطيبة التي غرسها الرسول صلي الله عليه و اله و سلم و تعهد سقايتها و رعايتها.


پاورقي

[1] سورة الشعراء، الآية: 89 - 88.

[2] حنقا: الحنق شدة الاغتياظ و الغضب.

[3] سورة الأنفال، الآية 73.

[4] سورة الأنعام، الآية 84 و 85.

[5] سورة الأنعام، الآية 84 و 85.

[6] سورة آل عمران، الآية 42.

[7] سورة المجادلة، الآية 22.

[8] سورة الأعراف، الآية 12 و سورة ص، الآية 77.

[9] سورة الكهف، الآيتين 51 - 50.

[10] سورة الأنعام، الآية 149.